في حقيقة الوضع
وقد انتهى كلامنا في بيان أصل حقيقة الوضع في الجهة الثانية. فلا يخفى عليك أنّ هذه الجهة متضمّنة لتعيين حقيقة الوضع. وفيه بحث وكلام.
واعلم أنّ بعض الأعاظم قدسسره (١) ذهب إلى أنّه من الامور الواقعيّة ، ولكن لا بمعنى أنّه ملحق بأحد المقولات ، إذ من الواضحات عدم شمول مقولة الجوهر له ، إذ أنّها منحصرة في خمسة أقسام ، وليس الوضع واحدا منها ، وهي عبارة عن : العقل ، والنفس ، والصورة ، والمادّة ، والجسم. والوضع ليس واحدا منها.
وكذلك الكلام في عدم كونه من المقولات التسع العرضية ، إذ أنّها متقوّمة بوجود الغير في الخارج ، لعدم إمكان وجودها في الخارج والعين إلّا في الموضوع ، إذ محلّ وجودها في الخارج والعين لا بدّ أن يكون هو الموضوع وأنّها إنّما توجد فيه لا غير ؛ إذ وجودها في نفسها وبنفسها عين وجودها لغيرها ، وليس حقيقة الوضع والعلقة الوضعيّة كذلك ؛ لأنّها قائمة بطبيعيّ اللفظ والمعنى ، وقوامها ليس إلّا بهما من دون أن يكون ثبوتهما وتحقّقهما على وجودهما في الخارج.
فلا يخفى عليك أنّ هذا المعنى في نظام الحقيقة من الواضحات ؛ إذ يصحّ وضع اللفظ بإزاء معنى المعدوم بل الأمر المستحيل.
__________________
(١) المراد به ظاهرا هو المحقّق العراقي ، انظر نهاية الأفكار ١ : ٢٥ ـ ٢٦.