فمن الواضح أنّ البحث فيها لا يرجع إلى البحث عن عوارض أحد الأدلّة الأربعة ، لا بما هي أدلّة ، ولا بما هي هي ، بل البحث في الحقيقة إنّما يكون عن أحوال الأحكام بما هي أحكام بلا لحاظ كونها مستفادة منها ومداليل أدلّة.
ومن هنا ينقدح وجه خروج الاصول العمليّة الشرعيّة والعقليّة عن علم الاصول.
ومن ناحية ذلك المحذور عدل صاحب الفصول قدسسره عن ذلك المسلك ، واختار أنّ موضوع علم الاصول إنّما يكون ذوات الأدلّة الأربعة بما هي هي (١) ، فالبحث حسب هذا المسلك بحث عن عوارض الموضوع لا عن ثبوته.
ولكنّ الحقّ والإنصاف أنّ ذلك المسلك لا يخلو عن إيراد ؛ إذ يرد عليه لزوم خروج كثير من مسائل علمنا هذا عن كونها من المسائل الاصوليّة ، ولك أن ترى ذلك في مباحث الحجج والأمارات ـ ما عدا مبحث حجّية العقل وظواهر الكتاب ـ ومباحث الاستلزامات العقليّة. وكذلك مسائل الاصول العمليّة الشرعيّة والعقلية ، وذلك من جهة أنّ البحث في كلّ علم لا بدّ أن يكون عن العوارض الذاتيّة لموضوع ذلك العلم ، وإذا لم يكن كذلك فتخرج عن سلك مسائل مباحث هذا العلم ولا تعدّ من نوع مسائله في شيء بوجه من الوجوه.
فإذن انقدح أنّ كلّ مسألة يقع البحث فيها عن العوارض الذاتيّة لأحد الأدلّة الأربعة فلا محالة تدخل في مسائل علم الاصول ، وإلّا فهي غير داخلة فيها.
فتكون ثمرة البناء على هذا المسلك ترتّب خروج مباحث الاستلزامات العقليّة ؛ إذ البحث فيها لا يكون عن أحوال أحد الأدلّة الأربعة بوجه من الوجوه مطلقا ، بل البحث إنّما يكون في محور الاستحالة والإمكان ، ويلحق بذلك
__________________
(١) الفصول : ١٢.