والمتتبّع للأبحاث الأصولية يعلم جيّداً بأنّ الأصوليين وإن لم يعنونوا البحث عن نظرية المعرفة تحت عنوان مستقل إلّا أنّ البحث الأصولي امتدّ إلى هذا المجال الأساسي بشكل عميق وواسع ، ومن أهم مظاهر ذلك البحث هو ما نجده في «الصراع الفكري الشديد بين الأخباريين والمجتهدين ، الذي كان ولا يزال يتمخض عن أفكار جديدة في هذا الحقل» (١). يقول الأستاذ الشهيد عن تاريخ هذا الصراع : «وقد مُني علم الأصول بعد صاحب المعالم بصدمة عارضت نموّه وعرّضته لحملة شديدة ، وذلك نتيجة لظهور حركة الأخبارية في أوائل القرن الحادي عشر على يد الميرزا محمّد أمين الأسترآبادي المتوفى سنة ١٠٢١ ه واستفحال أمر هذه الحركة بعده وبخاصة في أواخر القرن الحادي عشر وخلال القرن الثاني عشر» (٢). «وقد قُدّر للاتجاه الأخباري في القرن الثاني عشر أن يتّخذ من كربلاء نقطة ارتكاز له ، وبهذا عاصر ولادة مدرسة جديدة في الفقه والأصول نشأت في كربلاء أيضاً على يد رائدها المجدّد الكبير محمّد باقر البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٦ ه ، وقد نصبت هذه المدرسة الجديدة نفسها لمقاومة الحركة الأخبارية والانتصار لعلم الأصول ، حتّى تضاءل الاتجاه الأخباري ومُني بالهزيمة. وقد قامت هذه المدرسة إلى صف ذلك بتنمية الفكر العلمي ، والارتفاع بعلم
__________________
الفلسفية وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية الدياليكتيكية (الماركسية) ، الشهيد محمد باقر الصدر ، الطبعة العاشرة ، دار الكتاب الإسلامي ، قم ، ص ٥٧.
(١) المعالم الجديدة ، مصدر سابق ، ص ٩٦.
(٢) المعالم الجديدة ، مصدر سابق ، ص ٧٦.