الأصول إلى مستوى أعلى حتّى أنّ بالإمكان القول بأنّ ظهور هذه المدرسة وجهودها المتضافرة التي بذلها البهبهاني وتلامذة مدرسته المحقّقون الكبار قد كان حدّا فاصلاً بين عصرين من تاريخ الفكر العلمي في الفقه والأصول» (١).
وقد تعرّض الأستاذ الشهيد «ضمن أبحاثه الأصولية لدى مناقشته للأخباريين في مدى حجّية البراهين العقلية على نمط التفكير المنطقي الأرسطي ونقده بما لم يسبقه به أحد ، وبعد ذلك طوّر من تلك الأبحاث وأكملَها وأضاف إليها ما لم يكن يناسب ذكره ضمن الأبحاث الأصولية ، فأخرجها بأروع صياغة باسم كتاب : الأسس المنطقية للاستقراء» (٢).
وهذا ما أكّده السيد الصدر في تقريرات بحثه حيث قال في معرض حديثه عن الصراع المذكور آنفاً : «إنّ طريقة تولّد المعارف البشرية حسبما يصوّرها المنطق الصوري أنّ الفكر يسير دائماً من معارف أوّلية ضرورية هي أسس المعرفة البشرية إلى استنباط معارف نظرية جديدة بطريقة البرهان والقياس ، التي يحدّد صورتها علم المنطق ، فأي خطأ يفترض إن كان في الصورة فعلم المنطق هو العاصم منه ، وإن كان في مادّة القياس ؛ فإن كانت المادة أوّلية فلا مجال لوقوع الخطأ فيها ، وإن كانت ثانوية مستنتجة فلا محالة تكون مستنتجة من برهان وقياس فينقل الكلام إليه حتى ينتهي إلى خطأ يكون في الصورة ؛ لأنّ المعارف الأوّلية لا خطأ فيها بحسب الفرض لكونها ضرورية. وقد اصطلح على المعارف الأوّلية في الفكر البشري بمدركات العقل الأوّل وعلى المعارف المستنتجة منها
__________________
(١) المعالم الجديدة ، مصدر سابق ، ص ٨٥.
(٢) مباحث الأصول ، مصدر سابق ، ج ١ ، ص ٦٣.