ويخرج من ذلك بنتيجة عامة وهي" أن كلّ حديد يتمدّد بالحرارة".
وهذا الانتقال من الخاص إلى العام لا يمكن تبريره على أساس مبدأ عدم التناقض كما رأينا في حالات الدليل الاستنباطي ؛ لأنّ افتراض صدق المقدّمات وكذب النتيجة لا يستبطن تناقضاً. فبالإمكان أن نفترض أنّ تلك الكمية المحدودة من القطع الحديدية قد تمدّدت بالحرارة فعلاً ونفترض في نفس الوقت أنّ التعميم الاستقرائي القائل" إنّ كلّ حديد يتمدّد بالحرارة" خطأ ، دون أن نقع في تناقض منطقي ، لأنّ هذا التعميم غير مستبطن في الافتراض الأوّل.
وهكذا نعرف أن منهج الاستدلال في الدليل الاستنباطي منطقي ، ويستمدّ مبرّره من مبدأ عدم التناقض ، وخلافاً لذلك منهج الاستدلال في الدليل الاستقرائي فإنّه لا يكفي لتبريره منطقياً مبدأ عدم التناقض ، ولا يمكن على أساس هذا المبدأ تفسير القفزة التي يصطنعها الدليل الاستقرائي في سيره من الخاص إلى العامّ وما تؤدّي إليه من ثغرة في تكوينه المنطقي» (١).
وبناءً على ذلك يتّضح لماذا آمن المنطق الأرسطي بأنّ الاستدلال القياسي إذا كانت مقدّماته مادّة وصورة يقينيّة يفيد اليقين ، بخلافه في الدليل الاستقرائي.
وتظهر أهمّية الدليل الاستقرائي من جهة أن جميع العلوم الطبيعية من فيزيائية وطبّية وفلكية ونحوها ؛ كلّها تعتمد الملاحظة والتجربة للانتهاء إلى التعميمات
__________________
(١) الأسس المنطقية للاستقراء ، دراسة جديدة للاستقراء تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية وللإيمان بالله ، محمد باقر الصدر ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ، ص ٥ ٧.