الذي يصطنع الطريقة القياسية ، فبينما يسير الدليل الاستنباطي وفق الطريقة القياسية من العام إلى الخاص عادة ، يسير الدليل الاستقرائي خلافاً لذلك من الخاص إلى العام.
ومنذ بدأ الإنسان يدرس مناهج الاستدلال والتفكير ويحاول تنظيمها منطقياً طرح على نفسه السؤال التالي : هب أنّ المقدّمات التي تقرّرها في الدليل الاستنباطي أو الاستقرائي صحيحة حقّا ، فكيف يتاح لك أن تخرج منها بنتيجة وتتخذ تلك المقدّمات سبباً كافياً لتبرير الاعتقاد بهذه النتيجة؟ وقد أدرك الإنسان لدى مواجهة هذا السؤال فارقاً أساسياً بين الاستنباط والاستقراء ، واكتشف على هذا الأساس ثغرة في تركيب الدليل الاستقرائي لا يوجد في الدليل الاستنباطي ما يماثلها.
ففي الاستنباط يرتكز استنتاج النتيجة من مقدّماتها دائماً على مبدأ عدم التناقض ، ويستمدّ مبرره المنطقي من هذا المبدأ ، لأنّ النتيجة في حالات الاستنباط مساوية لمقدّماتها أو أصغر منها كما تقدّم فمن الضروري أن تكون النتيجة صادقة إذا صدقت المقدّمات ؛ لأن افتراض صدق المقدّمات دون النتيجة يستبطن تناقضاً منطقياً ما دامت النتيجة مساوية أو أصغر من مقدّماتها أي مستبطنة بكامل حجمها في تلك المقدّمات.
وهكذا نجد أن الاستدلال الاستنباطي صحيح من الناحية المنطقية ، وأن الانتقال فيه من المقدّمات إلى النتيجة ضروري على أساس مبدأ عدم التناقض.
وأمّا في حالات الاستقراء فإنّ الدليل الاستقرائي يقفز من الخاص إلى العام ؛ لأنّ النتيجة في الدليل الاستقرائي أكبر من مقدّماتها وليست مستبطنة فيها ، فهو يقرّر في المقدّمات أن كمية محدودة من قطع الحديد لوحظ تمدّدها بالحرارة ،