يمكن أن تشكّل الغطاء الاستدلالي لتلك المسلّمات الفقهية. فنشأت عندنا قواعد حجية الشهرة والإجماع المنقول وانجبار الخبر الضعيف بعمل الأصحاب ووهن الخبر الصحيح بإعراضهم ، بل تعمّقوا أكثر من هذا في مقام المحافظة على المسلّمات الفقهية فعمّموا قاعدة انجبار السند بعمل الفقهاء لتشمل انجبار الدلالة بفهمهم ، وهذا ما نجده واضحاً في بعض كلمات الشيخ الأنصاري الذي يعدّ من أركان المدرسة الأصولية الحديثة في النجف ، حيث إنّه لا يعمل بإطلاق أخبار القرعة قائلاً : إنّنا نعمل بهذه الأخبار في كلّ مورد عمل به الأصحاب ، ولا نعمل بها في كلّ مورد لم يعملوا به.
فمثل هذه القواعد الأصولية التي أسسها العلماء في علم الأصول كانت تشكّل الغطاء الصناعي والعلمي الذي أُقيمت عليه تلك المسلّمات والأطر الفقهية ، إذ لا يوجد واحد من تلك المسلّمات إلّا ويوجد عليها إجماع منقول أو شهرة أو عمل للأصحاب ونحو ذلك من القواعد التي بُني عليها الفقه الموروث عندنا.
حتى انتهى الأمر إلى العصر الثالث وجاء دور الشيخ الأنصاري ومن تبعه من المحقّقين فأشكلوا على هذه القواعد واحدةً بعد الأخرى ، فناقشوا في حجّية الإجماع المنقول والشهرة ؛ وتأمّلوا في قاعدة انجبار الخبر الضعيف بعمل الأصحاب ، ولعل الأستاذ السيد الخوئي كان من أوائل من بنى على هذا في فقهه ، وهكذا تهدّمت كلّ هذه القواعد الأصولية التي كانت تؤمّن الغطاء العلمي لتلك المسلّمات الفقهية ، ولكن هؤلاء الذين هدموا هذه القواعد في علم الأصول كالشيخ ومن تبعه لم يهدموها في الفقه ، بل بقي علم الفقه محافظاً عليها وإن كانت لا دليل على حجّيتها في الأصول ، والسبب في ذلك يرجع إلى تلك