يقول السيد الحائري في مقدّمة تقريرات بحث السيد الأستاذ : «ما جاء في البحث الرائع لسيرة العقلاء وسيرة المتشرّعة ، فقد تكرّر لدى أصحابنا المتأخّرين التمسّك بالسيرة لإثبات حكم ما ، ولكن لم يسبق أحد أستاذنا فيما أعلم في بحثه للسيرة وإبراز أسسها والقوانين التي تتحكّم فيها ، والنكات التي ينبني الاستدلال بها على أساسها ، بأسلوب بديع ومنهج رفيع وبيان متين» (١).
ويقول السيد الهاشمي وهو تلميذ آخر من تلامذته المبرزين : «والواقع أن الاستدلال بالسيرة لم يقتصر على خصوص المسائل الأصولية وفي باب الأمارات ، بل شاع ذلك في الفقه أيضاً ، خصوصاً في مثل أبواب المعاملات التي يكون للعقلاء تقنين فيها. بل الملحوظ اتساع دائرة الاستدلال بها كلّما تقلّصت الأدلّة التي كان يعوّل عليها سابقاً لإثبات المسلّمات والمرتكزات الفقهية من أمثال الإجماع المنقول والشهرة وإعراض المشهور عن خبر صحيح أو عملهم بخبر ضعيف ونحو ذلك ، فإنّه قد عوّض بالسيرة عن مثل هذه الأدلّة في كثير من المسائل التي يتحرّج الفقيه الخروج عن فتاوى القدماء من الأصحاب أو الآراء الفقهية المشهورة» (٢).
ولم يذكر لنا الأستاذ الشهيد بعض تلك المسلّمات والمرتكزات الفقهية التي ورثها المتأخّرون عن المتقدّمين ، ولكن لعلّ واحدة من أهم تلك المسلّمات هو تجريد النصوص الواردة عن الرسول الأعظم (صلىاللهعليهوآله) وأئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية ، والعلاقات التي
__________________
(١) مباحث الأصول ، مصدر سابق ، ج ١ ص ٥٩.
(٢) بحوث في علم الأصول ، مصدر سابق ، ج ٤ ، ص ٢٣٣.