ولا يخفى أنّ كلّ هذه الأدوار التي مرّ بها علم الأصول إنّما كان بعد أن غُرست بذرة التفكير الأصولي لدى فقهاء أصحاب الأئمّة (عليهمالسلام) منذ أيام الصادقين (عليهماالسلام). يقول السيّد الصدر عن هذه المرحلة : «ولا نشكّ في أنّ بذرة التفكير الأصولي وجدت لدى فقهاء أصحاب الأئمّة (عليهمالسلام) منذ أيام الصادقين (عليهماالسلام) على مستوى تفكيرهم الفقهي. ومن الشواهد التاريخية على ذلك ما ترويه كتب الحديث من أسئلة ترتبط بجملة من العناصر المشتركة في عملية الاستنباط ، وجّهها عدد من الرواة إلى الإمام الصادق وغيره من الأئمّة (عليهمالسلام) وتلقّوا جوابها منهم ، فمن ذلك الروايات الواردة في علاج النصوص المتعارضة ، وفي حجّية خبر الثقة وفي أصالة البراءة ، وفي جواز إعمال الرأي والاجتهاد وما إلى ذلك من قضايا» (١).
ولا نبالغ إذا قلنا : إنّ البحث الأصولي بلغ أوجه على يد السيد الصدر بنحو يمكن أن تعدّ مدرسته الأصولية عصراً رابعاً من عصور تطوّر هذا العلم. يقول السيّد كاظم الحائري أحد أبرز تلامذة الأستاذ الشهيد : «لئن كان الفارق الكيفي بين بعض المراحل وبعض حينما يعتبر طفرة وامتيازاً نوعياً في هوية البحث يجعلنا نصطلح على ذلك بالأعصر المختلفة للعلم ، فحقّاً أنّ علم الأصول قد مرّ على يد أستاذنا الشهيد بعصر جديد ، فلو أضفناه إلى الأعصر التي قسم إليها فترات العلم في المعالم الجديدة لكان هذا عصراً رابعاً هو عصر
__________________
ـ الطبعة الثانية ، ص ٨٧.
(٢) المعالم الجديدة ، مصدر سابق ، ص ٤٧.