______________________________________________________
الفوري.
قلنا : لا نسلم لزوم تكليف ما لا يطاق ، إذ لا يمتنع أن يقول الشارع : أوجبت عليك كلا من الأمرين ، لكن أحدهما مضيق ، والآخر موسع ، فان قدمت المضيق فقد امتثلت [ وسلمت من الإثم ، وإن قدمت الموسع فقد امتثلت ] (١) وأثمت بالمخالفة في التقديم.
والحاصل : أن الأمر يرجع الى وجوب التقديم ، وكونه غير شرط في الصحة ، والامتثال مع انتقاضه بتضيق الوقت ، فإنه إن بقي الوجوب لزم ما سبق ، وإن خرج لزم خروج الواجب عن صفة الوجوب ، مع أنه لا دليل على الترجيح ، إذ هما واجبان مضيقان قد تعارضا.
فلا بد من خروج أحدهما عن صفة الوجوب ، لئلا يلزم المحذور ، والدلائل تدل على خلافه ، ومع تسليمه فلا دليل يقتضي خروج واحد بعينه من الصلاة في آخر الوقت وقضاء الحق المضيق ، فالحكم بصحة الصلاة في آخر الوقت أيضا باطل ، لأنه يستلزم الترجيح بلا مرجح ، ولانتقاضه بمناسك يوم النحر ، فان الترتيب فيها واجب ، ولو خالف أجزأت عن الواجب الذي في الذمة.
وإنما تجزئ ان لو كانت واجبة مع عدم الترتيب ، لامتناع اجزاء غير الواجب عن الواجب ، وإنما يعقل الوجوب على التقديرين ، والتأثيم على تقدير واحد بخصوصه بناء على ما قدمناه.
فلو كان وجوب شيء يقتضي إيجاب ما يتوقف عليه وإن كان مقابله واجبا ، لامتنع الإجزاء هنا وفي كل موضع أشبهه ، وهذا من غوامض التحقيقات ، وهذا أصل تبتني عليه كثير من المسائل ، فيجب التنبيه له.
ولا شك أن الحكم بعدم الصحة أحوط ، وأزجر للنفوس عن التهاون في أداء الحقوق الفورية ، وإن كان الفقه هو القول بالصحة.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من الحجري لتوضيح المطلب.