البصر متقاربان ، ولذا كان ظاهر المتن التخيير في الاعتبار بكل منهما ، وما في المدارك ـ من أن ظاهره التوقف في المعنى الأول حيث نسبه إلى الشهرة وذكر الآخر جازما به ـ ليس في محله ، بل ظاهره التخيير بقرينة لفظ التعويل ، بل لعل تقديمه مشعر بترجيحه على الأخير كما اعترف به في التنقيح ، لتقدم العرف على اللغة عند التعارض ، والشهرة هنا بناء على أن المراد منها غير الشهرة الفتوائية صالحة لإثبات ما نحن فيه ، لكونه من الموضوعات ، فنسبة ذلك إليها لبيان مدرك الحكم لا للتوقف فيه كما حكاه في الرياض عن بعض مشايخه.
مع أنه ربما يدل عليه ـ مضافا إلى الشهرة وغيرها مما عرفت ، ومناسبته للتحديد اللغوي بمد البصر ، ولتقدير المسافة بمسيرة اليوم أيضا ـ ما حكي عن القاموس « من أن الميل قدر مد البصر ، أو منار يبنى للمسافر ، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع ، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثني عشر ألفا بذراع المحدثين » إلى آخره. إذ من الواضح انطباقه على ما ذكره من المائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف ، ومنه يظهر أنه لا وجه لذكره الأربعة آلاف ذراع يعني مقابلا للمائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف ، بل الظاهر رجوع التقدير بالثلاثة آلاف ذراع إليه أيضا كما نبه عليه الفيومي في مصباحه ، قال هو على ما يقتضيه ما حضرني من نسخته أو حاكيا له عن الأزهري على ما عن أخرى : « والميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع ، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع ، والخلاف لفظي فإنهم اتفقوا على أن مقداره ستة وتسعون ألف إصبع ، والإصبع ستة شعيرات بضم بطن كل واحدة للأخرى ولكن القدماء يقولون : الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا ، والمحدثون أربع وعشرون إصبعا ، فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنتين وثلاثين كان المتحصل