كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة ، قال : ومر بي وأنا بين مكة والمدينة أضع الأحجار فقلت : هذا من ذاك فقال : نعم » وعن محاسن البرقي مسندا إلى هاشم الحلال (١) قال : « دخلت أنا وأبو الصباح على أبي عبد الله عليهالسلام فقال له أبو الصباح : ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال : بخ بخ تيك أفضل المساجد ، من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة » إلى غير ذلك.
والظاهر أن المراد من هذه الأخبار ببناء المسجد هنا إنشاء المسجدية لا عمارة المسجد السابقة مسجديته وإن كانت هي أيضا لا إشكال في استحبابها ، بل لعلها هي مورد الآية (٢) بل هي مقتضى ما يقال من ظهور المشتق في تحقق مبدئه قبل زمان النسبة إليه ، كقوله : « اسقني ماء باردا » ونحوه ، لكن المراد هنا ما عرفت بالقرائن كما أن الظاهر إرادة الكناية عن المبالغة في الصغر من التشبيه بمفحص إلى القطاة ، إذ هو كمعقد الموضع الذي تكشفه القطاة في الأرض وتلينه بجؤجئها تتبيض فيه ، فيكون المراد أنه يستحب وإن كان صغيرا نسبته إلى الصلاة كنسبة المفحص إلى القطاة ، وربما كان فيه حينئذ إيماء إلى عدم اعتبار اشتمال المكان على تمام المصلي في جميع أحوال صلاته في تحقق المسجدية ، اللهم إلا أن يراد من التشبيه المزبور المبالغة في الصغر بحيث لا يسع إلا المصلي نفسه خاصة ، ويحتمل أن يكون المراد من التشبيه عدم الاحتياج في حصول المسجدية إلى بناء الجدران بل يكفي رسمه كما يومي اليه فعل أبي عبيدة ونحوه المشار إليه في الأخبار السابقة ، بل قد يظهر منها عدم اعتبار الملكية للأرض المباحة مثلا في جعلها مسجدا بل يكفي تحجيرها في ذلك ، بل لا يشترط سبقه على المسجدية فيجزي قصده
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٦.
(٢) سورة التوبة ـ الآية ١٨.