ثانيهما : ما تضمّن النهي عن الإقامة من غير طهارة ، وهذا وإن كان ظاهراً في الإرشاد إلى اعتبار الطهارة إلا أنّه بعد إمعان النظر يرى أن فيه أيضاً شائبة من الطلب ، فيكون مرجع قوله عليهالسلام : « لا يقيم إلا على وضوء » إلى قولنا أقم مع الوضوء ، فيرجع إلى النوع الأول.
أقول : بعد وضوح عدم احتمال إرادة الحرمة الذاتية من النهي المزبور كما اعترف قدسسره به في مطاوي كلماته ، فلا جرم يراد به الحرمة التشريعية التي مرجعها إلى تحديد دائرة الأمر في المطلقات واختصاص الإقامة المأمور بها بالمقرونة بالطهارة ، فغير المقترن لا أمر به ، وبدونه لم يكن مشروعاً ، وهو مساوق لاعتبار الشرطية المتحصّلة من حمل المطلق على المقيد. فهذا هو الظاهر من النهي في المقام ، ولم تكن في البين قرينة ترشدنا إلى خلاف هذا الظاهر ليؤخذ بها.
فالنتيجة : أنّ ما ذهب إليه جمع من الأجلّة من وجوب الطهارة في الاقامة هو الأوفق بالصناعة ، إذ لا مناص من حمل المطلق على المقيد في النوع الثاني من النصوص المتضمنة للنهي ، وإن لم يكن كذلك في النوع الأوّل.
ويؤكده : ما في ذيل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة من قوله عليهالسلام : « لا » في جواب قوله : « أيصلي بإقامته » فإنّ مرجعه إلى أنّ الإقامة من دون طهارة في حكم العدم كما لا يخفى.
هذا ، وجميع ما ذكرناه في اعتبار الطهارة يجري في اعتبار القيام حرفاً بحرف ، لاشتراك نصوص الموردين في الاشتمال على النوعين المتقدمين ، وستأتي نصوص القيام في موضعه (١) وليس في البين ما يعارضها ما عدا المطلقات التي عرفت لزوم حملها عليها فيتحدان بحسب النتيجة ، وهي اعتبار القيام كالطهارة في الإقامة بمناط واحد.
__________________
(١) في ص ٣٥٠.