وسائر العقود ، فكما أنّ العقود مبنيّة على المغابنة فيجب منها الاتيان بالألفاظ الصريحة في المقصود ، الرافعة للجهالة عمّا تعلقت به العقود ، فكذلك الحدود مبنية على المماكسة في حفظ القيود ، الدخيلة في توضيح المحدود ، حيث ان كل ذي علم واضعه إنما كان غرضه من التعريف تحديد مسائل هذا العلم ، بجامع بينها لفائدة السهولة في التعبير عنها بسبب التعبير عن هذا الجامع ، فلا بد من الإتيان بألفاظ صريحة في الكشف عن هذا الجامع بما هو عليه من كونه حاوياً لأفراده ، ومانعاً من غيرها . ولأجل ما ذكرنا من فائدة سهولة التعبير تراهم يعتبرون قلة مباني ألفاظ المعرف بها ، وخفتها على اللسان أيضاً .
فإن قيل : لا يصح استعمال كلمة ( في ) في السببية مجازاً ، بعد فرض كونها حقيقة في الظرفية ، لعدم العلاقة الظاهرة بينهما .
قلنا : سلمنا ، فتكون مشتركة مستعملة في أحد معنييها بلا قرينة معيّنة ، فيعود المحذور .
وأما التعريف الثاني ، فهو وإن كان مساوياً للثالث ، من حيث وضوح الدلالة ، لكنّه لمّا كانت كلماته أخف على اللسان فهو الأولى والأرجح فتأمل .
نعم قد استشكل فيه السيد بحر العلوم ـ رحمه الله ـ في شرحه للمبادئ العراقية من وجهين :
أحدهما : أنه يختل التعريف ، لصدق كل من تعريفي الحقيقة والمجاز على ما يصدق عليه الآخر ، لأنه إذا استعمل اللفظ في معناه الحقيقي ، ثم استعمل في معناه المجازي يصدق على هذا اللفظ أنه كلمة مستعملة فيما وضعت له في اصطلاح يقع به التخاطب ، ويصدق عليه أيضاً أنه كلمة مستعملة في خلاف ما وضعت له كذلك . ثم قال اللهم إلّا أن يقال : إن نظر القوم في التعريفين إلى الخصوصيات المتشخصة بالأزمان ، فيدفع عنهم هذا الايراد ، لأن هذا اللفظ باعتبار خصوصية استعماله في الأمس غير هذا اللفظ باعتبار خصوصية استعماله في الغد .
وكأنه ـ قدس سره ـ استظهر ـ من كلمات
القوم ـ أن نظرهم الى نوع الالفاظ من حيث الزمان ، كما أن نظرهم إلى نوعها ـ من حيث خصوصيات المستعملين ـ وأنت ترى ما فيه ، من بعد نسبة ما استظهره ، بل عدم امكانها على
القوم ،