التفت إلى أحد الوجهين المذكورين يحصل القطع بإرادة الحقيقة .
وكيف كان : فإذا عرفت أنّ الأصل المقرر ـ المسلم عند العقلاء ، وأهل اللسان ـ البناء على عدم كل من الاحتمالات المذكورة ، مع قيامها ـ أي قيام تلك الاحتمالات ـ في محاوراتهم في مثل المقام ، أي فيما إذا اُطلق اللفظ مجرداً عن القرينة ، مع تمكنهم من السؤال والفحص عنها ، فثبت أنّ أصالة الحقيقة من الظنون المعتبرة التي لا يتوقف الركون إليها على ثبوت الانسداد في الأحكام .
نعم بعض تلك الاحتمالات ، وإن كان بدوياً ، لكن كلها ليست كذلك ، بل أكثرها مستمرة ، غاية الأمر أنّ العقلاء لا يعتنون بها ، لٰا أنّهم لا يحتملونها ، حتى يقال : إنّه خارج عن محل البحث ، ولا ريب أنّ النتيجة تابعة في الظنية والقطعية لأخس مقدماتها ، فإذا صار بعض مقدمات حمل اللفظ على حقيقته الذي هو النتيجة في المقام ظنية ، فهو تابع لها ، فيصير ظنياً بالظن المعتبر ، لحصول الظن به ـ من الظنون المعتبرة خاصة .
والحاصل : أنّه بعدما ثبت أنّ مقدمات أصالة الحقيقة من الظنون الخاصة ، الغير المتوقفة على الانسداد ، فتكون هي أيضاً من الظنون الخاصة فثبت المطلوب .
هذا ، ولكن للنفس فيه تأملاً وتزلزلاً ، فإن العقلاء ، وأهل اللسان ، وإن كانوا لا يتوقفون في حمل اللفظ على حقيقته في مقام الشفاه عند تجرّده عن القرينة ، بل استقرت طريقتهم على حمله عليها ـ حينئذ ـ بحيث لا يوجب أحد من الاحتمالات المذكورة توقفهم في فهم المراد ، لكن لا ريب أنّ تلك الاحتمالات لبعدها غاية البعد ، كانت بحيث يحصل القطع بعدمها غالباً ، بحيث يكون احتمالها لمجرد الإمكان العقلي ، مضافاً إلى قيام البرهان العقلي على استحالة بعضها ، كما عرفت ، فحينئذ فالخطب في إثبات سيرتهم على حمل اللفظ على حقيقته مجرداً عن القرينة ، مع قيام تلك الاحتمالات ، أو بعضها بحسب الواقع وبحسب اعتقادهم .
وبعبارة اُخرى ، إثبات أنّهم يكتفون
بظاهر اللفظ ، مع عدم القطع بكونه مراداً ، بسبب بقاء واحد من الاحتمالات ، مع تمكنهم من تحصيل القطع بالسؤال ، وإن كانت إرادته مظنونة ، فإنّ هذه الصورة أقوى صور كون الظاهر غير معلوم المراد ،
ولا يبعد دعوى ثبوت ذلك في تلك الصورة المذكورة ، وأمّا في غيرها من صورتي الشك بارادة الحقيقة ، أو الظن بعدم إرادتها ، فدون إثباته فيهما خرط القتاد ، إذ من
المعلوم أنّ الأصل المذكور ـ أي أصالة الحقيقة ـ ليس من الأحكام التعبدية المأمور بها من