العلم بكل (١) الأحكام الشرعية ، وإن كان مفتوحاً في نفس الألفاظ ، والانسداد الذي نحن نسلّمه إنّما هو في نفس الألفاظ ، مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية ، وهذا لا يوجب كونه ظناً مطلقاً ، فإنّ الحكمة في اعتبار جميع الاصول العقلائية هو الانسداد الغالبي ، لفظية كانت ، كما في الاصول المعروفة في المقام ، من أصالة عدم الغفلة ، وعدم السهو ، وعدم السفه ، وغيرها ، أو عملية كالاستصحاب ، وأصالة البراءة ـ بناء على اعتبارهما ـ من باب الظن ، وكالظن بالاُمور المستقبلة ، كالظن بالسلامة فإنّه أيضاً من الظنون المعتبرة العقلائية ، والحكمة في اعتباره إنّما هو انسداد باب العلم بالاُمور المستقبلة غالباً ، فذلك دعاهم على البناء عليه في جميع اُمورهم .
ثم إنّه لا يرد علينا ـ حينئذ ـ أنّه كيف يمكن تعبّد العقلاء بغير العلم في مورد يتمكّنون منه ، كما في بعض الموارد ، فإنّ المدعىٰ ثبوت الانسداد في الغالب ، فهو اعتراف بانتقاضه في بعض الموارد فيرد المحذور .
وتوضيح دفعه : إنّه لا ريب أنّه ليس لحصول العلم أسباب منضبطة ، في مقام استكشاف المرادات ، بل أسبابه ـ في المقام ـ هي الخصوصيات اللاحقة لخصوص المقامات .
هذا بخلاف مقام استكشاف الأوضاع ، فإنّه ـ كما عرفت ـ له أسباب منضبطة ، كالتّبادر ، وعدم صحة السلب ، وغيرهما من الأسباب ، بحيث لا يختص إفادتها العلم لشخص ، دون شخص ، أو حال دون حال ، فلذا تعرّضنا للبحث عن صغرياتها ثمّة ، وتركنا البحث عنها فيما نحن فيه ، لعدم دخولها في المقام تحت ضابط قانوني ، فإذا ثبت أنّها ليس لها ضابط في المقام ، فلا يختص صوره بإمكان تحصيل العلم ، حتى يجب تحصيله فيها ، إذ ربما يحصل العلم في بعض الصّور لأحد ولا يحصل لغيره ذلك في ذلك البعض ، وربما يحصل لشخص واحد في حال دون اُخرى .
وكيف كان ، فحصول العلم في بعض صور المقام اتفاقي ، لا يدخل تحت قانون حتى يجب تحصيله ، والتكلف وتحمل المشقة في جميع الموارد ، لأجل احتمال خصوصية مفيدة للعلم في بعضها ، موجب لاختلال النظام .
والحاصل : أنَّه إذا كان الدّاعي ـ الى البناء على العمل بغير العلم ـ رفع الحرج والمشقة ، وتسهيل الاُمور فذلك أمر حسن عند العقل ، بل واجب ، فلا يرد السؤال
___________________________
(١) كان في الأصل ( بعمل ) وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه .