وليس بالوجه : لما ثبت من الإذن بما يقرأ الناس على الإطلاق نصّاً وتقريراً وإجماعاً ، فكان الأخذ بهما ، والتقرير عليهما ، بمنزلة ورودهما .
أقصى ما هناك انّ الواقع أحدهما ، كما في كل خطابين متعارضين ، وكما أنهم خيّرونا في المتعارضين لرفع الحيرة ، مع أنّ الواقع أحدهما ، لاستحالة تناقضه كذلك ما كان بمكانتهما . والمعروف بين القوم أن القراءتين بمنزلة آيتين ، نطق بهما الكتاب ، فاذا كان اختلافهما مفضياً إلى الاختلاف في الحكم ، عملوا بما يقتضيه ذلك النحو من الاختلاف ، فخصّصوا إحداهما بالاُخرى ، وقيّدوا ، كما خصّصوا قراءة الأكثرين ( حتى يطهرن ) بالتخفيف بقراءة بعضهم بالتشديد ، وإن كان بالتنافي عملوا بمقتضاه من التخيير ، كما هو المعروف ، أو التساقط ، كما ذهب اليه بعضهم ، ولهم في ذلك مذهب آخر غريب منهم ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ( قدس سره ) .
وأنت ترى أنّ قوله : والمعروف بين القوم أنّ القراءتين بمنزلة آيتين إلى آخر ما ذكرنا منه ( قدس سره ) نصّ في فرض الكلام ، بعد اعتبارهما في ظاهريهما ، فاستظهار القول بالتخيير يكون قوياً .
وأمّا القولان الآخران ، أعني التوقف ، أو التساقط رأساً ، فيحتملهما قوله : أو التساقط ، ويظهر نسبة القولين المذكورين ـ أعنى التخيير ، أو التساقط ـ إلى القوم في المقام المفروض ، الداخل فيما نحن فيه ، واختيار القول بالتخيير ـ حينئذ ـ من المحقق النراقي (١) أيضاً ناسباً التخيير إلىٰ أبيه ( قدّس سرّه ) أيضاً .
___________________________
(١) فانّه قال ره في كتاب مناهج الأحكام والاصول في المقصد الثالث في الفصل الأوّل تحت عنوان منهاج : إختلفوا في القراءات إلى أن قال : ثم اعلم إنّه قد ورد في بعض الأخبار بعض كلمات القرآن مخالفاً لجميع القراءات ففي مثله هل اللازم متابعة الحديث او موافقة القراءات ، الصّحيح هو الثّاني ، لأنّ الوارد في الأخبار أنّ القرآن كٰان كذا ، وهذا لا يدلّ على وجوب قراءته هكذا ، فلا يعارض ما مرّ من الإجماع والأمر بالقراءة كما يقرؤه النّاس ، ثم إنّ تجويز القراءة بكلّ من القراءات إنّمٰا هو لأجل الجهل بالواقع ، ومن باب الضّرورة ، وإلّا فكلامه سبحانه واحد لا اختلاف فيه ، ولا يخفى أنّ ما ذكر انّما هو حكم القراءة ، وأمّا العمل فلا شكّ في أنّ العمل بالقرآن على ما هو الموافق للقراءات جائز ، على القول بجواز العمل بظاهر الكتاب ، للإجماع المركّب ، بل البسيط فلا إشكال فيما لم يختلف القراءات فيه ، او اختلف بما يوجب اختلاف الحكم ، وقد استشكلوا فيما أوجبه واختار والدي العلامة ره أنّ اللازم فيه التّرجيح إن كان مرجّح شرعي وإلّا فالتخيير ، ولا يخفى أنّ لزوم الرجوع إلى التخيير عند فقد المرجّح إنّما هو على فرض ثبوت عموم حجيّة هذا القرآن الموجود بحيث يشمل ما وقع فيه التعارض بين القراءات وسيجيء تحقيق القول فيه .
هذا ما عثرنا عليه في هذا الكتاب وله
كتب اُخرى ، في علم الاصول حسب ما أشار إليها في كتابه
=