السببية ، إذ من المحتمل أن يكون المراد بالثقة في الأخبار هو العادل ، كما في قول السائل حيث سأل عن الوثوق بالراوي ، وهذا الاحتمال ، وإن لم يمنع من البناء على حجيّة خبر مطلق الثقة في الأخبار ، لكنّه مانع من التعدي فيما نحن فيه جدّاً ، لكون استفادة المناط ـ حينئذ ـ عن ظنّ ، فيكون إثبات الحكم في الفرع من باب تخريج المناط لا تنقيحه ، وهذا ليس إلّا القياس المتّفق على بطلانه .
وأمّا ضعف القول بالتساقط رأساً ، كما هو المختار في تعارض الأصول الشرعية العملية ، فلما عرفت أنّ الاصول اللفظية إنّما هي أمارات وطرق عقلائية ، ولا ريب أنّ الأمارة كما تكشف عن الملزوم ، وهو المعنى المطابقي فيما نحن فيه ، كذلك تكشف عن لازمه أيضاً ، وهو نفي الثالث أيضاً ، فكلّ واحد من الخطابين المتعارضين بتعارض الأصلين فيهما يكشف بسبب الأصل الموافق له عن إرادة معناه المطابقي والالتزامي ، لكنّه لمّا وقع التعارض بينهما في مدلوليهما المطابقيين ، فيتعذر الاستدلال بواحد منهما في إثبات مدلوله المطابقي لذلك ، وبالاستدلال بهما على نفي الثالث ، الذي هو مدلولهما الالتزامي ، فلا مانع منه ، فإنّ سقوط الاستدلال بهما فيما يخصّان به من المعنى المطابقي ـ بسبب التعارض ـ لا يوجب سقوطهما في الاستدلال بهما على نفي الثالث .
والحاصل أنّه يجب العمل ـ عرفاً وشرعاً ـ أيضاً ـ من جهة الإمضاء ـ بالاصول اللفظية ، وترتيب ما تقتضيه ، وتكشف عنه عليها مطلقاً ، سواء كان المنكشف من المداليل المطابقية أو الالتزامية ، فإذا وقع التعارض بين آيتين منها ، فهو مانع عن الاستدلال بهما في مدلوليهما المطابقيين ، وأمّا فيما دلّتا عليه التزاماً ، فلا مانع منه ، فيجب العمل عليهما فيه عرفاً وشرعاً ؛ ضرورة إمضاء الشارع لطريقة العرف في محاوراتهم ، واصولهم المعتبرة عندهم ، وليس تعارض الأصلين اللفظين إلّا كتعارض الأمارتين الشرعيتين كالبيّنتين ، بأن قامت إحداهما على كون المال الفلاني لزيد ، والاخرى على كونه لعمرو ، فإنّ تعارضهما يمنع عن العمل بمدلوليهما المطابقيين وهو كونه لزيد أو لعمرو ، وأمّا فيما دلّتا عليه التزاماً أعني عدم كونه لبكر ، فهما متفقان فيه ، ولا مانع من العمل بكلتيهما فيه ، فيجب العمل بهما فيه ، لئلا يلزم طرح الأمارة المعتبرة ، من دون تعارض .
فظهر أنّه لا مجال للتساقط رأساً في
الأصول اللفظية ، فيدور الأمر فيهما بين التخيير أو التوقف ، والتساقط فيما يخصّ به المتعارضان ، وعدم الرجوع إلى ثالث ،