ريب أنّه لا بدّ فيه من ملاحظة بعض النكات البديعيّة ، وتعلّق الغرض بإفادتها ، ولا كذلك على احتمال الاشتراك ، إذ لا بدّ فيه من قرينة معيّنة فحسب ، من دون ملاحظة شيء من الأغراض البديعيّة ، فالأصل عدم ذلك الغرض الزائد وملاحظته ، فيثبت الاشتراك .
هذا مضافاً إلى أنّ في تقديم التخصيص مخالفة للأصل مرّتين :
أحدهما : أصالة عدم التخصيص ، وأصالة عدم ملاحظة الغرض الزائد ، كما عرفت .
وثانيهما : أصالة عدم النقل ، فإنّ التخصيص مسبّب عن النقل .
لا يقال : فعلى هذا فأصالة عدم التخصيص غير جارية لما تقرّر في محلّه من أنّ الأصل في المسبّب لا يجري إذا جرى في سببه ، سواء كان الأصل في المسبّب موافقاً للأصل في السبب أو مخالفاً .
لأنّا نقول : هذا مسلّم فيما إذا لم يبتل الأصل في السبب بمعارض ، وأمّا مع ابتلائه به فالأصل في المسبب جار بلا شبهة ، هذا مقتضى الاصول .
وأمّا الغلبة ، فهي من جانب التخصيص ، وقد عرفت ما فيها في خصوص المثال المذكور ، ولا يكاد يتصوّر لدوران الأمر بين الاشتراك والتخصيص في لفظ واحد مثال من غير سنخ المثال المذكور ، بأن يكون التخصيص مسبّباً عن غير النقل .
وأمّا القسم الثاني ، أعني دوران الأمر بين الاشتراك والتخصيص في لفظين ، كما في المثال الذي ذكرنا ، وهو قولنا : أكرم العلماء ، ولا تكرم زيداً ، إذا احتمل (١) اشتراك زيد بين الشخص الفلاني العالم وبين غيره ؛ فلنقدّم الكلام أولاً في مقتضى الغلبة ، لقلّته بالنسبة إلى الكلام في مقتضى الاصول .
فنقول : لا يخفى أنّ الغلبة من جانب التخصيص ، فهي تقتضي تقديمه ، لكن يشكل الركون إليها في هذا القسم ، لما قد عرفت في مبحث المجاز المشهور من عدم صلاحية الشهرة لكونها صارفة ، إلّا على قول أبي يونس ، وقد عرفت ضعفه ، ولا ريب أنّ الركون إليها ـ في هذا القسم ـ معناه صرف العام عن عمومه إلى التخصيص ، وإنّما اعتمدنا عليها في القسم الأوّل ، لأنّ المقابل لها فيه إنّما هو غير التخصيص لا العموم .
___________________________
(١) في الأصل ( إذ احتمال ) ولا يستقيم المعنى معه .