إلى قوله : رأيت أسدا يرمي ، وإنما يصير إليها إذا كان له غرض زائد على إفادة المطلب المذكور من الأغراض البديعية ، فمرجع الشك فيما نحن فيه إلى أن المتكلّم كان في مقام بيان المطلب فحسب ، او كان له غرض زائد فيترتب على الاحتمال الأوّل ، كون الاستعمال على سبيل الحقيقة ، وكون اللفظ موضوعاً لمورد الاستعمال ، وعلى الثاني ، كونه مجازا في وضعه لغير مورد الاستعمال فيكون طرفا الشك الوضع ، والغرض الزائد ، ولا ريب أنه لا يجري الأصل في شيء منهما ، لمعارضته في كل منهما بمثله في الآخر ، ولا سببية لأحدهما أيضاً ، ليكون حاكما على الآخر كما مر ، فيسقط الأصل فيهما ، فحينئذ ينتقل الى قاعدة اخرى وهي جريان الأصل في اللّازم مع سقوطه في الملزوم ، وقد مرّ أنه لا لازم للوضع من ملاحظة او اعتماد عليه كما مر ، وأمّا الغرض الزائد فيلزمه أمران حادثان : ملاحظة العلاقة ، والاعتماد عليها ، إذ ليس المعاني المجازية كالحقيقيّة في عدم الاحتياج فيها إلى الأمرين المذكورين إذ الاستعمال المجازي على خلاف جبلّتهم والمركوز في أذهانهم ، والخروج عن مقتضاها لا يكون إلّا بملاحظة العلاقة والاعتماد عليها ، فيجري الأصل فيهما لسلامته عن المعارض ، فيثبت الاشتراك .
هذا ، لكنّ الانصاف عدم جواز الاعتماد على مثل تلك الاصول ـ في مطلب من المطالب ، لأنها من الاصول البعيدة التي لا يعتني بها العقلاء .
هذا مضافاً إلى أنّه لم يقل أحد بأصالة الاشتراك ، حتى السيّد ـ رحمه الله ـ إلّا أنه قائل به من جهة زعمه الاستدلال (١) دليلاً وارداً ، لا من جهة أن الأصل ذلك ، كما مرت الإشارة إليه سابقاً ، وحينئذ فالوجه في المسألة بالنظر إلى الاصول التوقف .
وأمّا قاعدة الأخذ بالمتيقن المعبّر عنها بالأصل التوقيفي فهي لا تقتضي مجازية اللفظ بالنسبة إلى مورد الشك ، فلا بدّ من التوقف عليها أيضاً .
هذا كلّه فيما إذا كانت العلاقة بين المعنيين مصحّحةً للمجاز من جانب واحد .
وأمّا إذا كانت مصححة له من الجانبين ، فالكلام فيه أيضاً ما مر .
والمختار فيه أيضاً التوقف ، بل هذا أولى به من سابقه ، لعدم العلم بوضع اللفظ لأحد المعنيين بالخصوص ، فعلى تقدير أصالة المجاز ـ أيضاً ـ لا بدّ من التّوقف للجهل بالحقيقة .
ثم إن جميع ما ذكرنا إلى هنا من الكلام ـ في الصّور المذكورة ـ إنما هو فيما إذا لم يعلم
___________________________
(١) كذا في الأصل ، والصحيح ( الاستعمال ) اي كون الاستعمال دليلاً وارداً على الحقيقة .