وثانياً : بأنّ قرينة التعيين ـ عند المشهور ـ ليست مجرد غلبة الاستعمال ، بل مركبة منها ومن تأكّد العلاقة بين الحقيقي والمجازي ، وحينئذ فالشرط الثاني منهما مفقود في المشترك .
هذا ، لكن هذا الجواب إنّما يناسب مذاق المشهور ، وأمّا على مذاقنا فلا ؛ لأنّ المختار عندنا كون سبب التعيين مجرد غلبة الاستعمال ، وحينئذ فالتحقيق في الجواب ما حققنا في الجواب عن الإشكال الأوّل ، من أنّ الظهور المستند إلى الشهرة ليس بحيث يترجح بنفسه على الظهور الوضعي ، ليكون حاكماً عليه ، وموجباً لحمل اللّفظ على موردها ، بل لا بد من قرينة اُخرى صارفة للّفظ عن المعنى الآخر من معنيي المشترك ، ومع وجود تلك القرينة لا حاجة في التعيين ثمة إلى الشهرة ، لأنّ أصالة الحقيقة ، السالمة عن المعارض في موردها توجب حمل اللفظ عليه ، فلا تكون الشهرة معيّنة في المشترك ، لا قبل قيام قرينة اُخرى ، ولا بعده .
هذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّه بعد قيام القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي لا يكون شيء غير الشهرة يقتضي حمل اللّفظ على موردها ، فالحمل والتعيين مستندانِ إليها حينئذ . فافهم ذلك فإنّه لطيف .
الثاني : من مواقع النظر ، ما اختاره من كون اللّفظ ظاهراً في المعنى المجازي ، مع بقاء وضعه في المعنى الأصلي ، إذ مع بقائه كيف يمكن ظهوره في المجاز ، وإنّما يكون ذلك إذا حصل علقة بين اللّفظ وبين المعنى الثاني بواسطة غلبة الاستعمالات ، ومع حصولها ، فيظهر من اللّفظ المعنى الثاني ، سواء لوحظت الغلبة أو لم تلاحظ .
والحاصل : أنّه لا يمكن ظهور المعنى الثاني من اللفظ إلّا إذا حصلت علقة بسبب غلبة الاستعمالات ، ومع حصولها فلا يتوقف الظهور على ملاحظة سبب العلقة ، بل يحصل من مجرد اللّفظ ، سواء لاحظ السبب ، أو قطع النظر عنه .
ثم على تسليم إمكان ذلك ، نطالب بالفرق بينه وبين المنقول ، من جهة العمل والثمرة بينهما .
وما قيل في الفرق بينهما : من أنّ
استعمال اللّفظ في المعنى الأصلي ـ في هذا القسم ـ لا يتوقف على نصب القرينة ، بخلاف استعماله ـ فيه ـ في المنقول ، فإنّه لا
بد منها هناك ، ومن أنّ القرينة على تقدير نصبها في إرادة المعنى الأصلي ـ في هذا
القسم ـ إنّما تكون رافعة للمانع عن ظهور المعنى الأصلي ، لبقاء المقتضي له ، وهو الوضع ،
بخلاف المنقول فإنّها فيه موجدة للمقتضي ، ومحرزة له ، ومن أنّ استعمال اللفظ ـ في هذا