عهدته وامتثاله. ولا فرق في ذلك بين مطابقة اعتقاده للواقع ومخالفته ، فإنّ ذلك أمر خارج عن إدراك المدرك. وكما أنّه ليس عند المطابقة أمر آخر غير الأمر الواقعي الذي يدعو إلى وجود المأمور به ، فكذا عند المخالفة ليس شيئا آخر ؛ والمفروض عدم الأمر واقعا ، فلا أمر عند المخالفة.
والسرّ في ذلك هو ما حقّقناه ـ في بحث حجّية القطع ـ : من أنّ القطع ليس إلاّ مرآة للواقع كاشفا عنه ، فلا يعقل تأثيره في ترتّب الأحكام المترتّبة على المعلوم (١) ، ولا مدخل له في متعلّقه ؛ فإنّه أمر يتفرّع وجوده (٢) على وجوده ، فكيف يعقل تأثيره في متعلّقه! فلو كان موجودا كان العلم به واقعا ، وإلاّ (٣) فالعلم لا يصير علّة لوجوده ، وذلك ظاهر.
فعند الجهل المركّب لا يكون إلاّ اعتقاد الأمر الغير المؤثّر في وجود الأمر ، ومن الواضح الجليّ عدم كون اعتقاد الأمر أمرا ، فلا وجه لتوهّم الإجزاء ؛ ضرورة توقّفه على وجود الأمر ، والمفروض عدمه في المقام.
وما يتوهّم : من حصول امتثال أوامر الإطاعة حينئذ ؛ حيث إنّه اعتقد كونه مأمورا به فامتثل أوامر الإطاعة ، مضافا إلى وجود حكم العقل بلزوم الإتيان بما اعتقده مأمورا به ، فممّا لا يجدي شيئا ؛ إذ المقصود بالإجزاء في المقام هو كفاية المأتيّ به حال المخالفة للمأمور به واقعا ، وامتثال أوامر الإطاعة ممّا لا مدخل له في سقوط ذلك الأمر الواقعي الذي لم يحم حوله المكلّف أبدا. وكذلك حكم العقل ؛ فإنّ حكمه موافق لأدلّة الإطاعة ، على أنّ الإطاعة الواقعيّة غير حاصلة قطعا ؛ إذ من
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ١ : ٣٠.
(٢) لم يرد « وجوده » في « م ».
(٣) في « م » زيادة : « فلا ».