ووجه اللزوم لولاه ظاهر ، ونزيده توضيحا بملاحظة جواز الرجوع إلى البيّنة في تشخيص الوقت مع إمكان تحصيل العلم به بالإحساس وغيره من أسباب العلم ، فقضيّة اللطف الواجب على اللطيف الحكيم اشتمال ذلك الطريق على مصلحة متداركة لما هو الفائت ـ على تقدير التخلّف ـ كما أوضحنا ذلك في الردّ على « ابن قبة » (١) حين أنكر جواز العمل بالخبر (٢).
وتلك المصلحة يمكن أن تكون على وجهين :
أحدهما : أن يكون تلك المصلحة في الموارد التي دلّ على حكمها تلك الطرق لا من حيث ذواتها ، بل من حيث قيام تلك الطرق عليها واستفادة أحكامها منها ، فيكون قيام تلك الأمارة ودلالتها على حكم موردها موجبا لحدوث مصلحة في ذلك المورد ، عدا ما فيه من المصلحة المقتضية لجعل الحكم الواقعي على طبقه ، وتلك المصلحة هي الداعية لجعل الشارع تلك الأمارة حجّة (٣) في قبال مصلحة الواقع.
مثلا إذا دلّ الدليل على حرمة العصير العنبي ، فهذا الموضوع له مصلحتان : إحداهما : ما هي مكنونة فيه مع قطع النظر عن كونه مدلولا للأمارة التي اقتضت جعل الحكم الواقعي على طبقها من الحلية وجواز الأكل ونحوهما ، والثانية : ما يعتريه ويعرضه باعتبار كونه من موارد الأمارة الفلانيّة ، من مصلحة الحرمة وعدم جواز الأكل منه. ولازم ذلك تقييد الأدلّة الواقعيّة وتنويع ذلك الموضوع به ، فإنّه لا بدّ من القول بأنّ حلّية العصير فيما لم يكن أخبر العدل بحرمته ، فالعصير
__________________
(١) هو أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي ، من متكلّمي الإماميّة ، وكان معتزليّا ، ثمّ تبصّر ، انظر رجال النجاشي : ٣٧٥.
(٢) راجع فرائد الاصول ١ : ١٠٥ ـ ١١١.
(٣) في « ع » و « م » زيادة : « حينئذ ».