قلت : ما ذكر إنّما يلائم (١) القول بأنّ الطرق الشرعيّة موضوعات لما يستفاد منها ، فيكون مفادها في عرض الواقع وقد فرغنا عن إبطال ذلك فيما مرّ (٢) ؛ فإنّ لازمه التصويب الباطل ، مضافا إلى ظواهر الأدلّة الدالّة على حجيّة الطرق الشرعيّة ، فإنّها تنادي بأعلى صوتها على بقاء الواقع وعدم تخصيصه بواسطة تلك الطرق. وأمّا وجوب الإعادة والقضاء فهو من الوقائع اللاحقة ، فإنّ التعويل على الأمارة السابقة وعدم الاشتغال بإعادة ما قد امر به في الوقت أو في خارجه من الامور الطارئة للمكلّف في اللاحق ، غاية الأمر أنّ منشأ وجوب ذلك هو فساد المأتيّ به بمقتضى الأمارة الاولى ؛ ولذا قلنا : بأنّ الإعادة والقضاء من الوقائع اللاحقة (٣) المرتبطة بالوقائع السابقة ، وذلك أمر ظاهر.
فإن قلت : سلّمنا أنّ الإعادة والقضاء من الوقائع اللاحقة ، لكن لا نسلّم وجوب الأخذ بالأمارة بالنسبة إلى (٤) الوقائع الغير المرتبطة بالسابقة. وذلك وإن كان تبعيضا بالنسبة إلى مدلول الأمارة ، لكن التبعيض في الشرعيّات كثير ، أمّا بالنسبة إلى الأحكام المترتّبة على الاصول فممّا لا حصر له ، وأمّا بالنسبة إلى غيرها فكثير أيضا ، كما إذا ورد خبر واحد يدلّ على نجاسة من فوّض أمر الخلق والرزق إليهم عليهمالسلام ، فإنّ ذلك لا يصير مستندا في المسألة الاعتقاديّة ، لكنّه يؤخذ به بالنسبة إلى المسألة الفرعيّة. وكما إذا حصل الظنّ بالقبلة المستلزم لحصول الظنّ بالوقت ، فإنّه يتبعّض بالنسبة إليهما ، فيؤخذ بالظنّ في الأوّل دون الثاني. وكما إذا
__________________
(١) في « م » بدل « يلائم » : « يلزم ».
(٢) راجع الصفحة ١٤٠ ـ ١٤١.
(٣) لم يرد « اللاحقة » في « ع ».
(٤) في « ع » و « م » زيادة : « غير ».