ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ الأحكام الوضعيّة كالشرعيّة التكليفيّة التي يتحقّق بواسطة الإنشاء والجعل المساوق له ، وبين القول بانتزاعها من الامور التكليفيّة ، أو كونها امورا واقعيّة كما هو مقتضى مذاق التحقيق ـ على ما قرّر في محلّه (١) ـ ولا (٢) يعقل أن يكون للطريق مدخل فيما هو طريق إليه ، فليس عندنا إلاّ الأسباب الواقعيّة التي يستكشف عن وجودها وتحقّقها في محالّها تارة بالعلم واخرى بالظن ، غاية الأمر أنّ العلم غير محتاج في الأخذ بما يترتّب على كشفه عن الواقع إلى دليل ، بخلاف الظن ، فإنّ ترتيب الآثار الواقعيّة على المظنون بواسطة الكشف الظنّي يحتاج إلى دليل. وهذا الفارق ليس قاضيا بما زعمه : من اختلاف الماهيّات على وجه الظاهريّة والواقعيّة.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ الوجه في عدم جواز الأخذ بالأسباب الظاهريّة لكلّ أحد ، ليس لما زعمه : من أنّ تلك الماهيّة إنّما تكون سببا بالنسبة إلى شخص دون آخر ، بل الوجه هو وجود الدليل على جواز الاعتماد على ذلك الكشف الظنّي وعدمه (٣).
وأمّا ما أفاده في التقسيم إلى الأقسام الثلاثة فكلامه فيه متهافت ؛ فإنّه صرّح في القسم الثاني بالنقض ، وقضيّة ذلك النقض بالنسبة إلى الوقائع الحادثة في القسم الثالث أيضا ، فإنّ جواز الوطي في البكر المعقود عليها بغير إذن الولي بعد تغيّر الرأي لا وجه لإلحاقه بالقسم الأوّل مع إمكان إلحاقه بالقسم الثاني ،
__________________
(١) راجع فرائد الاصول ٣ : ١٢٥ ـ ١٣٠.
(٢) في « م » : إذ لا.
(٣) لم يرد « وعدمه » في « ع » و « م ».