رأيهم بعد الاجتهاد. وليس المراد أنّ الغسل السابق صار سببا حينئذ ، بل سببيّته تحقّقت أوّلا ، ولكن لم يكن هذا الشخص داخلا في عنوان « من تحقّقت في حقّه السببيّة » ، ودخل فيه حينئذ ، كما أنّ من وقف شيئا على ضيفه فصار شخص بعد مدّة ضيفا له ، فإنّ الوقفيّة عليه لا تتحقّق حينئذ ، بل الدخول في العنوان تحقّق في هذه الحالة. وعلى هذا فلا أثر للاستصحاب المذكور ؛ لثبوت السببيّة في حقّ من دخل في هذا العنوان ، ولأنّ عدم السببيّة أوّلا كان لمن دخل في عنوان آخر ، فقد تغيّر الموضوع.
وأمّا الإجماع المذكور فاختصاصه بالأوّل ظاهر ، بل يمكن دعوى الإجماع على النقض في الثاني. وكذا الحال في غير هذا المثال (١) ، انتهى ما أفاده في توضيح المقام.
وأنت بعد ما عرفت من مبنى النقض وعدمه تعرف مواضع الفساد في هذه الكلمات. ولا بأس بالإشارة إلى بعض وجوه النظر فيه :
فنقول : أمّا ما أفاده أوّلا : « من أنّ الأسباب الشرعيّة وشرائطها وموانعها لها حقائق واقعيّة وحقائق ظاهريّة » فهو ممّا لا يطابق الواقع ؛ إذ ليس الطرق الشرعيّة إلاّ مثل الطرق التي يستعملونها العقلاء والعرف في استكشاف مقاصدهم واستظهار مطالبهم ؛ فكما أنّ المسترشد من الطريق الموصل إلى بلد ، لو اتّكل في سلوك سبيله إلى قول من يورث له الظنّ بالطريقيّة والوصول إلى ذلك البلد ، لا يعقل له القول بأنّ ما يوصل إلى ذلك البلد له حقيقة واقعيّة وحقيقة ظاهريّة ، فكذلك في الطرق الموصلة إلى الأحكام الشرعيّة ، فإنّ كلّها يكشف عن تلك الأسباب الواقعيّة والأحكام الموجودة في نفس الأمر المخزونة عند أهلها.
__________________
(١) مناهج الأحكام : ٢٨٨.