وثانيهما : ما ليس كذلك ، كغسل الثوب المعيّن من البول ، فإنّه يصير سببا لطهارة هذا الثوب لكلّ من يرى الاكتفاء بالمرّة ، وغير مؤثّر في حقّ كلّ من لا يراه كذلك. وكذلك قطع الحلقوم في التذكية إذا قطعه ، فإنّه يصير المذبوح المعيّن حلالا على كلّ من يكتفي في التذكية بقطع الحلقوم وعلى مقلّديه ، ويكون حراما على كلّ من لا يكتفي فيها به.
فإن كان من الأوّل فلا يجوز النقض فيه ، وما مرّ من الإجماع وسائر الأدلّة يدلّ عليه.
وأمّا ما كان من الثاني فإنّه ينتقض بعد التغيّر ، فيقال : إنّ من يرى غسل المرّة فيه غير كاف إذا غسل الثوب مرّة يكون نجسا ما دام على ذلك الرأي ، وإذا تبدّل رأيه ورأى كفاية المرّة يطهر له هذا الثوب ؛ وذلك لأنّ هذا الغسل الجزئي لذلك الثوب المعيّن ـ مثلا ـ حال ظنّ عدم كفايته كان غير مؤثّر في حقّه ، لأجل أنّ هذا الشخص مندرج تحت عنوان « من يظنّ عدم كفايته » ولذا كان نجسا لكلّ من يظنّ كذلك ، وهذا الغسل بعينه لهذا الثوب بعينه في هذا الحال سبب للطهارة في حقّ كلّ من يرى الكفاية بالإجماع والضرورة ، ولأنّه لا يشترط في طهارة الثوب كون الغسل صادرا عمّن يرى كفاية المرّة ، ولا كون الثوب ملكا له ، فإذا تغيّر رأي الشخص الأوّل واندرج تحت العنوان الثاني ، لا بدّ أن يكون الثوب طاهرا في حقّه. ولا يشترط أن يكون أيضا صادرا حال تغيّر الرأي ؛ لأنّ ظنّه حينئذ حجة في حقّه ، ومظنونه الحاصل بسبب الأدلّة الشرعيّة : أنّ الغسل مرة سبب للتطهير مطلقا ، وليس مقيّدا بأنّ الغسل المتحقّق حال هذا الظن كذلك ، إذ لا تقييد في شيء من الأدلّة الظنّية بذلك أصلا.
ولذا ترى المجتهدين إذا حدثت الوقائع قبل اجتهادهم فيها واستفتي منهم ، يتأمّلون في حكم المسألة بعد حدوثها ، ويحكمون على الحادثة السابقة بما استقرّ