وبالجملة : فلو أنّهم حاولوا إخراج المقدّمة الوجوبيّة لم يكن محتاجا إلى هذه التكلّفات ، كما هو ظاهر ؛ مع أنّ ذلك أمر سهل ، كما عرفت ممّا صنعنا فيما مرّ.
وإن أرادوا بذلك تعيين الواجب الذي يقع النزاع في وجوب مقدّماته ليكون الكلام في مقدّمات الواجب المشروط خارجا عمّا هو عقد الباب له ـ كما يظهر ذلك من ملاحظة كلماتهم في تعليلاتهم ذلك بأن وجوب المقدّمة تابع لوجوب ذيها وحيث لم يتعلّق الوجوب إلى ذيها لا يعقل وجوبها ، إلى غير ذلك ممّا هو صريح فيما ذكرنا ـ فهو تخصيص من دون ما يقضي بذلك ؛ إذ كما عرفت محصّل النزاع يرجع إلى ثبوت الملازمة العقليّة بين وجوب شيء ووجوب مقدّماته. ولا يفرق في ذلك أنحاء الوجوب على تقدير أن يكون الطلب المتعلّق بشيء على نحو الإطلاق مغايرا له على نحو الاشتراط ؛ فكلّما ثبت الوجوب على أيّ نحو كان يمكن النزاع في وجوب مقدّمات المتّصف بذلك الوجوب ، فإنّه لا يراد من إثبات الوجوب لمقدّمة المشروط إثبات الوجوب المطلق لها ؛ فكما أنّ وجوب نفس الواجب مشروط بالمقدّمة الوجوبيّة ، كذا وجوب مقدّمته بمعنى تنجّزه وفعليّته ـ على وجه لم يكن للمكلّف بدّ من فعله ـ مشروط بذلك الشرط. وما ذكر من التعليل إنّما ينفي الوجوب الزائد على الوجوب الثابت لنفس الواجب ، لا وجوبا على نحو ذلك الوجوب إن مطلقا فمطلقا وإن مقيّدا فمقيّدا ، فالسعي للحجّ داخل في حريم الخلاف كالطهارة للصلاة ، مع أنّ الأوّل مشروط والثاني مطلق.
ولو لا عموم النزاع للمقدّمات الوجوديّة للواجب سواء كان مشروطا أو مطلقا لم يكن وجه لتحرير المسألة عن أصل ؛ إذ قد عرفت أنّ جميع الواجبات مشروط ولو بالامور العامّة التي هي شرائط التكليف ؛ اللهمّ إلاّ أن يكون النزاع في المقدّمات بعد حصول شرائط الوجوب ، فيكون النزاع في وجوب السعي بعد