وما نحن فيه بعينه من هذا القبيل ، فإنّه لا يفرق عندنا فيما ينقدح في أنفسنا عند طلبنا شيئا في زمان ، بين أن يجعل الزمان بحسب القواعد النحويّة قيدا للحكم الذي هو الوجوب ، وبين أن يجعل قيدا للفعل الذي تعلّق به الحكم ، وذلك ظاهر لمن راجع وجدانه وأنصف من نفسه. ويتّضح ذلك غاية الظهور فيما لو تجرّد الطلب من الكواشف اللفظيّة وثبت تحقّقه في نفس الطالب بدليل لبّي ، فهل تجد من نفسك فرقا فيما علمت بوجوب شيء في زمان بين الوجهين؟ كلاّ! فلا فرق في محصّل المعنى بين قول القائل : « إذا دخل وقت كذا فافعل كذا » وبين قوله : « افعل كذا في وقت كذا » إذ المعنى الموجود الذي يدعو إلى إظهاره وداعي الأمر فيهما أمر واحد لا تعدّد فيه. نعم ، يمكن التعبير عنه بأحد هذين الوجهين.
فإن قلت : إنّ الأحكام الشرعيّة تابعة لما يستفاد من عنوان الدليل ، واختلاف ورود الأدلّة فيما نحن فيه بصدده يكفي ، كما قد سبق نظيره في الفرق بين الواجب المطلق والواجب المشروط. قلت : وذلك ظاهر الفساد بعد ما قرّرنا في التمهيد ، من أنّ وجوب المقدّمة تابع لما هو واقع الطلب ولبّه (١) ، وبعد تسليم اتّحاده لا وجه لاختلاف لوازمه. وأمّا الفرق بين المشروط والمطلق فنحن بعد ما بيّنّا اختلاف المعنى فيهما استكشفنا من كلّ لفظ وارد في مقام البيان ما يناسبه من المعنى ، ولم نقل بأنّ مجرّد الاختلاف في العبارة كاف في الفرق. كيف؟ ولا يعقل أن يكون ذلك مناطا فيما هو راجع إلى المعنى.
لا يقال : إنّ ذلك المعنى الواحد المعبّر عنه بالعبارتين لا محالة يختلف وجوبه واعتباراته عند اختلاف العبارة ، كما يظهر ذلك عند ورود الركوب حالا أو صفة أو خبرا ، إذ لا شكّ في اختلاف ملاحظات ذلك المعنى الموجود المحكيّ عنه بهذه الخطابات.
__________________
(١) راجع الصفحة ١٩٧.