وكيف كان فالاستدلال بالآية على وجه ينطبق على المدّعى في المقام بأحد وجهين :
أحدهما : أنّه تبارك وتعالى حصر المأمور به لأهل الكتاب في العبادة ، ولا يتحقّق العبادة إلاّ بقصد الامتثال ، فيجب عليهم الامتثال وينسحب هذا الحكم في شريعتنا أيضا ، لما قرّر من جواز استصحاب الأحكام الثابتة في الشرائع الماضية (١). وإن أبيت عن ذلك فيدلّ عليه قوله : ( وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )(٢) أي المستقرّة الثابتة التي لا ينالها (٣) النسخ.
وثانيهما : أنّهم قد امروا بالإخلاص في الدين ، وهو عبارة عن مجموع الأعمال والعقائد الشرعيّة ، والإخلاص بها لا يتمّ إلاّ عند قصد الامتثال ، ويتمّ في حقّنا بالوجهين.
والجواب : أمّا عن الوجه الأوّل ، فبأنّه إن اريد من حصر المأمور به في العبادة أنّ التعبّد بالأوامر الواردة في الإنجيل والتوراة تنحصر غاياتها بالتعبّد ، على أن يكون كلمة « اللام » للغاية ـ كما يظهر من استدلال بعض أصحابنا بالآية في قبال الأشعري القائل بالجزاف في أفعاله تعالى ـ فهو فاسد جدّا ، لأنّ المنساق من الآية أنّها ليست للغاية ، بل من المعلوم بواسطة ملاحظة نظائره في الآيات القرآنيّة أنّها لام الإرادة (٤) الداخلة على المراد (٥) ، كما في قوله : ( وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ )(٦)
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٢٥.
(٢) في النسخ وi ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ E والصواب ما أثبتناه ، وإن ورد في سورة يوسف الآية ٤٠i ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ E لأنّ الكلام في آية سورة البيّنة.
(٣) في ( ع ) و ( م ) : المستقرّ الثابت الّذي لا يناله.
(٤) في ط زيادة : والأمر.
(٥) في ط زيادة : والمأمور به.
(٦) الأنعام : ٧١.