وقيل : إنّه وضع إلهيّ لاولي الألباب يتناول الاصول والفروع (١).
لا إشكال في أنّ المراد به في الآية ليس هو الجزاء ، لعدم تعقّله فيها على ما هو ظاهر ، والكلّ محتمل ، وعلى التقادير لا يتمّ التقريب ، إذ الاستدلال موقوف على أن يكون المراد بـ « الدين » خصوص الأعمال الفرعيّة المأمور بها في الشريعة. ولا دليل على أنّ المراد به في المقام هو خصوص ذلك مع كونه معنى مجازيّا غير ظاهر من مساق الاستعمال.
لا يقال : يتمّ التقريب على تقدير إرادة المعنى الأعمّ من الأعمال الفرعيّة والعقائد الأصليّة ، كما هو أحد الوجوه المحتملة فيما سبق.
لأنّا نقول : ذلك يتمّ على تقدير أن يكون المراد بالإخلاص هو قصد التقرّب ، وهو غير معقول في العقائد.
فإن قلت : لعلّ المراد بـ « الدين » هو الأعمال التي يجزى بها ، تسمية للسبب باسم المسبّب.
قلت : بعد كونه مجازا لا يصار إليه إلاّ بعد دلالة ، لا يجديك شيئا ؛ إذ يكون محصّل مفاد الآية على ذلك التقدير : وما امروا إلاّ بالعبادة والانقياد حال كونهم قاصدين للتقرّب بالأعمال التي يجزى بها ، فيكون قصد القربة معتبرا فيما يترتّب عليه الجزاء. وظاهر أنّ استحقاق الثواب مشروط بالامتثال ، كما نبّهنا على ذلك فيما تقدّم. والكلام في اشتراط سقوط التكليف بالقصد ، وأين أحدهما من الآخر؟ لجواز سقوط التكليف مع عدم ترتّب الثواب والجزاء.
والإنصاف : أنّ الظاهر من « الدين » هو العبادة التي يرادف الانقياد ، والإخلاص فيه عبارة عن عدم اختلاطه بالانقياد لغير وجهه الكريم ، فيكون المراد
__________________
(١) لم نعثر عليه.