قلت : قد عرفت فيما تقدّم أنّ الإطلاق إنّما يعتبر بواسطة قبح ترك البيان مع ورود الكلام في مقامه. وأمّا إذا كان في المقام ما يصلح لأن يكون بيانا ، فهل ترى صحّة الاستناد إلى الإطلاق؟ حاشا! كما فيما نحن بصدده ، فإنّه لو كان المقصود هو الفعل الخاصّ المقيّد بالقدرة لا ضير في ترك التقييد به ، لجواز الاعتماد على ما يستفاد من نفس الطلب ، إذ المفروض أنّ الطلب ـ ولو بواسطة قصوره ـ يمتنع تعلّقه بغير المقدور.
مضافا إلى أنّه يمكن القول بأنّ القدرة مأخوذة في نفس الفعل قبل لحوق الطلب في الأحكام الشرعيّة ، لما تقرّر عند العدليّة من تبعيّة الأحكام الشرعيّة للصفات المحسّنة والمقبّحة ، فما لم يكن الفعل موردا للحسن لا يصير متعلّقا للطلب ولا يكون موردا للحسن إلاّ إذا كان فعلا اختياريّا ، فإنّه مهبط للحسن والقبح اتّفاقا ، ولا يكون فعلا اختياريّا إلاّ إذا كان مقدورا ، ولا يكون مقدورا إلاّ أن يكون مقصودا. اللهمّ إلاّ بالقول بأنّ الحسن والقبح أيضا يقتضيان الاختياريّة في الأفعال كنفس الطلب.
كذا أفاده الاستاذ بعد ما أوردت عليه ذلك ، إلاّ أنّه بعد في إجمال لا بدّ له من التأمّل ، فتأمّل (١).
وأمّا الجواب عن الثالث : فبأنّه فاسد عن أصله ؛ إذ نسبة النفس إلى الجوارح العمّالة ليست نسبة البعث والأمر ، بل إنّما هي آلات لوقوع أفاعيلها على حسب اختلاف دواعيها ، فالمباشر حقيقة في الأفعال الصادرة عنّا إنّما هو نفوسنا الناطقة بواسطة آلاتها الظاهريّة أو الباطنيّة ، دون الآلات.
أغمضنا عن ذلك ، ولكن يتمّ ما ذكره فيما إذا قيل بأنّ النفس مأمور بالأمر بالجوارح على أن يقع منها الأفعال ، حيث إنّ الأمر لا بدّ له من ملاحظة المأمور به ،
__________________
(١) العبارة في ( ط ) : ولا بدّ من أن يقع فيه التأمّل.