بالثواب أمرا غير المدح والقرب فربّما كان له وجه ؛ نظرا إلى أنّ العقل لا يستقلّ بإثباته في جميع موارده ، وثبوته في بعض الموارد شرعا ـ كالسير إلى الجهاد ونحوه ـ لا يثبت الكلّيّة ، وقوله تعالى : ( لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ )(١) لا دلالة له على تعيين أثر غيرهما. وإن أرادوا الأعمّ فترتّب الأوّل ـ أعني المدح ـ ممّا لا ريب فيه ، بشهادة العقل والعادة. ثمّ استشهد لذلك بحسن تعليل المدح بالفعل. ثمّ قال :
وكذا الأمر الثاني أعني القرب ، واستند في ذلك إلى صدق الإطاعة والانقياد المستلزمين للقرب (٢).
ووجه النظر هو : أنّه ما أجاد في حكمه بعدم استقلال العقل على ترتّب الثواب بمعنى الأجر ، إذ التحقيق على ما عرفته هو استقلاله بعدمه ؛ على أنّ الترديد في الثواب في غير محلّه ، فإنّ المراد به ـ على ما هو صريح المتكلّمين (٣) ـ هو العوض ، فيكون اجرة. مضافا إلى أنّ نفي ظهور الآية في الأجر على تقدير عدم استقلال العقل خلاف الإنصاف ، كما ارتكبه ، فإنّ ظهورها ممّا لا ينكر. بل التحقيق في ردّها هو : ما عرفت من لزوم تأويلها بعد مخالفتها لصريح العقل. مع أنّ الوجه في ترتّب المدح هو ما عرفته من ملاحظة العقلاء في ذاته سريرة طيّبة ، وذلك ظاهر بعد ما عرفته.
ومن هنا ينقدح لك : أنّ القول بأنّ « فعل المقدّمة يوجب الثواب وتركها لا يورث العقاب » قول باستحباب المقدّمة ، إذ لا يعقل أن يكون الفعل موجبا لاستحقاق الثواب وتركه لا يوجب عقابا مع كونه واجبا ، فهو إمّا قول بالاستحباب وهو باطل ، إذ لا قاضي به ، فإنّ الطلب الاستحبابي لا يستفاد من
__________________
(١) آل عمران : ١٩٥.
(٢) الفصول : ٨٧.
(٣) راجع شرح تجريد العقائد ( للقوشجي ) : ٣٥٠ ، وكشف المراد : ٣١٩ ـ ٣٢٠.