قضيّة كلّ منهما للآخر ، حيث إنّ المقدّميّة لا تقتضي إلاّ التوصّليّة ، والعباديّة قاضية بالتعبّديّة ، وهما متنافيان متباينان ، على ما عرفت في تحديدهما. فيجاب بأن لا تنافي بينهما لاختلاف الجهة ، حيث إنّ الأمر المقدّمي متأخّر اعتباره في العبادة عن الأمر الّذي تعلّق بها وبه صارت عبادة ، كما لو فرض اشتراط الصلاة بعبادة خارجة مستقلّة مأمور بها في حيال ذاتها كالصوم مثلا ، إذ لا ضير في ذلك ، فإنّ المصحّح للعباديّة فيها هو الأمر الأوّل ، والاشتراط قاض بمقدّميّة العبادة المفروضة من غير غائلة.
واخرى يستشكل في أنّ الأمر المقدّمي كيف يقضي بالتعبّديّة من حيث إنّها مقدّمة بعد معلوميّة الغرض من الأمر بها كما هو مناط الإشكال في المقام؟ والجواب المذكور لا ينهض بدفعه ، لاتّحاد جهتي التعبّد والتوصّل حينئذ ، كما لا يخفى.
الثاني : أنّ المقدّمة التي تكون عبادة ليست من الأفعال العاديّة (١) التي تعلم بارتباط ذيها بها على نحو معلوميّة ارتباط الصعود على السطح بمقدّماته التي يتوقّف عليها ، فإنّ المعلوم عندنا من الصلاة ليس إلاّ نفس الحركات والسكنات ، ونحن لا نعقل توقّفا لهذه الصورة على الأفعال الواقعة عند تحصيل الطهارات (٢). نعم ، بعد ما كشف الشارع الحكيم عن توقّف الصلاة عليها لا بدّ من إيجادها للتوصّل بها إليها ، وحيث إنّ الأفعال الواقعة في الطهارات أيضا ممّا لا نعرف منها إلاّ الحركة الخاصّة ، فلا بدّ أن يكون الداعي إلى إيجادها هو توقّف الصلاة عليها في نظر الآمر ، كما أنّه لا بدّ من إيجاد هذه الحركات على وجه يكون في الواقع ممّا يترتّب عليها فعل الصلاة. ولا سبيل لنا إلى العلم بذلك إلاّ أن تقع هذه الحركات على وجه تعلّق الأمر بها ، ولا نعني بالقربة إلاّ ذلك.
__________________
(١) في ( ع ) و ( م ) : العباديّة.
(٢) في ( ط ) زيادة : كما لا يخفى.