وتوضيحه : أنّ الفعل الواحد قد يختلف وجوهه ، وذلك يلازم اختلاف مصالحه ومفاسده كما هو المقرّر في مقامه ، فتارة يكون الفعل معنونا بعنوان حسنا وبعنوان آخر قبيحا ، فإن علمنا بالعنوان القبيح والحسن فهو ، ويكون الفعل حينئذ من الواجبات العقليّة فعلا أو تركا. وإن لم نعلم بذلك مع العلم بأنّ الشارع لا يأمرنا إلاّ بما هو الحسن واقعا من عناوين معتورة على ذات الفعل ، وحيث إنّه لا علم لنا به بخصوصه فيجب اتّباع الأمر في ذلك للوصول إلى العنوان الحسن واقعا ، لأنّ الأمر حينئذ مرآة لذلك العنوان. وعلى قياس ذلك عنوان المقدّميّة ، فإنّ ذوات الحركات الخاصّة ربّما لا تكون محصّلة لما هو المقصود بالأمر بها ، فلا بدّ من قصد الحركة التي امر بها لأجل الصلاة تحصيلا للمقدّمة لأن يلاحظ مطلوبيّة تلك المقدّمة ، وتوقّف المأمور به عليها عنوان إجمالي لما هو المتوقّف عليها ومرآة لها.
وبالجملة ، فنحن لا ندّعي في الطهارات أنّ الأمر المقدّمي فيها يقضي بالتعبّديّة حتّى يقال بفساده قطعا ، مع أنّه لو صحّ ذلك لكان جاريا في المقدّمات التي نقطع بانتفاء ذلك فيها. بل نقول : إنّ ذلك إنّما هو من قبل نفس المقدّمة ، حيث إنّها لا نعرف وجه التوقّف فيها.
كذا افيد ، ولكنّه منقوض بجملة من المقدّمات الشرعيّة التي لا نعرف وجه التوقّف فيها أيضا ، فإنّ ذلك غير مختصّ بالطهارات كما لا يخفى ، فتدبّر.
الثالث : أنّك قد عرفت فيما تقدّم (١) أنّ الأوامر العباديّة من حيث تعلّقها بمتعلّقاتها يغاير الأوامر التوصّلية ، حيث إنّ نفس الأمر واف بتمام المقصود في الثاني دون الأوّل ، فلا بدّ فيه من بيان زائد على أصل الفعل المطلوب بالطلب المستفاد من الأمر أوّلا. ولا فرق في ذلك بين المقدّمة وذيها ، فما هو المصحّح لأحدهما مصحّح للآخر من غير حاجة إلى القول باستفادة التعبّديّة من الأمر المقدّمي.
__________________
(١) راجع الصفحة ٢٩٧ ـ ٢٩٨.