وعلى الثاني ، لا يصحّ على ما ذهب إليه جمع من الأصحاب (١).
والتحقيق في المقام ان يقال : أمّا حديث إجزاء المقدّمة التي يراد بها غاية اخرى غير الغاية الغير المقصودة عنها ـ كما في الوضوء إذا قصد به الكون على الطهارة أو غيره عن الوضوء للصلاة ـ فمبنيّ على اتّحاد حقيقة تلك المقدّمة وعدم اختلاف ماهيّتها باختلاف ذويها (٢) ، كما هو كذلك في الوضوء ، على ما استظهرناه من الأخبار الواردة فيه ؛ ولذلك نقول بكفاية الوضوء لأجل غاية واحدة عن الوضوء في جميعها ، لأنّ المقدّمة بعد ما كانت حاصلة لا وجه للأمر بإيجادها ثانيا.
لا يقال : إنّ ذلك إنّما يتمّ فيما إذا كانت المقدّمة من المقدّمات التوصليّة كما في غسل الثوب. وأمّا إذا كانت عبادة كما في الوضوء ، فمجرّد حصولها لا يكفي عمّا هو المقصود منها من حصول التعبّد بها وقصد التقرّب منها.
لأنّا نقول : لا ينافي كونها عبادة ؛ لما ذكرنا من حصولها.
وتحقيقه : أنّ كون فعل عبادة تارة يلاحظ بالنسبة إلى الأمر الذي تعلّق به وصار بملاحظة ذلك الأمر عبادة من حيث إنّ المطلوب الحقيقي فيه الامتثال. وتارة يلاحظ بالنسبة إلى الامتثال الّذي صار لأجله الفعل عبادة. فبملاحظة نفس الفعل نقول بكونه تعبّديّا ، وأمّا مطلوبيّة الامتثال بذلك الفعل فمن المعلوم أنّه واجب توصّلي ومطلوب غير تعبّدي يسقط بمجرّد حصوله في الخارج من غير توقّف على شيء آخر. فما هو المطلوب من الوضوء وهو وقوعه على وجه العبادة ، ووقوعه على ذلك الوجه مطلوب توصّلي لا ينافي كون الفعل المطلوب بواسطة الامتثال به واجبا
__________________
(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٩ ، والحلّي في السرائر ١ : ١٠٥ ، وفخر الدين في الإيضاح ١ : ٣٧ ، وراجع جامع المقاصد ١ : ٢٠٧.
(٢) كذا ، والظاهر : ذيها.