ولكنّه مع ذلك ممّا لا يتمّ عند دقيق النظر ؛ لأن ذينك العنوانين تارة يكونان متلازمين ، كما في الوضوء للصلاة والوضوء للطواف ، حيث إنّهما ليسا بمتغايرين ، لأنّ الدليل على التغاير في أمثال المقام إنّما هو اختلاف اللوازم والأحكام المترتّبة عليهما شرعا ، كما في غسل الجمعة والجنابة حيث يرتفع بأحدهما الحدث ولا يرتفع بالآخر ، والمفروض اتّحادهما في اللوازم الشرعيّة ، فلا يعقل التفكيك بينهما في مورد ، فهذا الاختلاف في الحقيقة راجع إلى اختلاف مجرّد الحكاية والعنوان مع اتّحاد المحكيّ عنه والمعنون ، وذلك لا يوجب تعدّد الحكم. وتارة يكونان متغايرين بواسطة التقييد المزبور على نحو العموم من وجه ، وهذا هو الذي قلنا : بأنّ الماهيّة على تقدير التخصيص تصير متعدّدة وإذا اجتمعتا في مورد يكون من اجتماع الأمر والنهي ، ففي مورد الاجتماع لا بدّ من الرجوع إلى المذاهب في تلك المسألة ، وفي مورد الافتراق لا إشكال.
وبالجملة ، القول بصحّة الوضوء فيما إذا كان المكلّف مشغولا ذمّته بوضوء واجب مع عدم القصد إلى غايته الواجبة إمّا مبنيّ على عدم لزوم قصد الغير في الواجب الغيري وقد عرفت فساده بما لا مزيد عليه ، وإمّا مبنيّ على القول باختلاف الماهيّة بواسطة اختلاف الوجوه التعليليّة والاعتبارات الغائيّة كما عرفت ، وهو من أكاذيب الأوهام ، سواء كان الاختلاف الحاصل بواسطة الغايات اختلافا نوعيّا أو اختلافا شخصيّا ، كما أومأنا إليه آنفا في مثل الدخول في الدار المغصوبة ، فإنّ أفراده يختلف أحكامها بالحرمة والوجوب ، بتقريب أن يقال : كما أنّ الدخول يختلف حكمه باختلاف القصد ، فكذلك يحتمل اختلاف أحكام أفراد الوضوء باختلاف القصد إلى الغاية المعيّنة ، فعند عدم إرادة الغاية الواجبة مع إرادة الغاية المستحبّة لا ضير في وقوع الوضوء على صفة الوجوب. وهو أيضا فاسد ، لأنّ الدخول في الدار المغصوبة من حيث هو ممّا لا يتعلّق به حكم ، بل إنّما الحكم يتعلّق بأنواعه من الغصب