ثمّ إنّه يمكن أن يكون مراده رحمهالله : أنّ إطلاق ألفاظ العبادات والمعاملات لا ينصرف إلى ما هو معلوم الفساد ، كما أفاده المحقّق في الشرائع بقوله : إطلاق العقد ينصرف إلى الصحيح (١) ، وعن العلاّمة في قواعده : المطلب الرابع في العقد ، وإطلاقه ينصرف إلى الصحيح (٢). فلا دلالة في كلامه على الوضع وعدمه.
نعم يظهر من الشهيد الثاني في شرح ما عرفت من الشرائع ما هو صريح في إرادة الوضع ، حيث قال : إنّ عقد البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد ؛ لوجود خواصّ الحقيقة والمجاز فيهما ، كمبادرة المعنى إلى ذهن السامع عند إطلاق قولهم : فلان باع داره ، وغيره ـ ومن ثمّ حمل الإقرار به عليه ، حتّى لو ادّعى إرادة الفاسد لم تسمع إجماعا ـ وعدم صحّة السلب وغير ذلك من خواصّه ، ولو كان مشتركا بين الصحيح والفاسد يقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة ، وانقسامه إلى الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة (٣) ، انتهى.
أقول : دعوى وضع ألفاظ المعاملات لخصوص ما أمضاه الشارع والحكم
__________________
كلامه فلا نعرف وجهه إلاّ إذا كان مراد الحالف والناذر مجرّد الشروع في العمل لا نفس العمل ؛ إذ على الثاني لا يفرق بين الأمرين على المذهبين ، وعلى الأوّل فعلى القول بالصحيح اكتفي بمسمّى الصحّة ، ولو أفسدها بعد ذلك لم يزل الحنث ، وعلى القول بالأعم لو دخل في العبادة على وجه الفساد يحصل الحنث.
نعم ، التفريع المذكور يلائم ما ذكره بعض الأجلّة في تفسير كلامه قدسسره.
والإنصاف أنّه لم يظهر لنا من كلامه شيء يمكن التعويل عليه ، فتدبّر لعلّك تطّلع على أمر لم نقف عليه ، ومن هنا يمكن التأمّل في إسناد التفصيل المتقدّم في صدر المبحث إليه.
(١) شرائع الإسلام ٣ : ١٧٧.
(٢) قواعد الأحكام ٣ : ٢٧٥.
(٣) المسالك ١١ : ٢٦٣.