من الحكيم ـ أنّ أوامر الشارع للمكلّفين (١) ليس على قياس (٢) أوامر الملوك والحكّام الّذين غرضهم حصول نفس الفعل ودخوله في الوجود لمصلحة لهم في وجوده حتّى إذا فات وامتنع حصوله كان طلبه سفها وعبثا ، بل أوامر الشارع من قبيل أوامر الطبيب للمريض : أنّ اللائق بحاله كذا ، وإن فعل كذا كان أثره كذا ، وإن فعل بخلافه كان أثره بخلافه. وهذا المعنى باق في جميع المراتب لا ينافيه عروض الامتناع بالاختيار للفعل ، إذ بعد ذلك أيضا يصحّ أن يقال : « إنّه فات عنه ما هو لائق بحاله » ويترتّب على ذلك الفوت الأثر الذي كان أثره ، وليس معنى كونه مكلّفا حينئذ إلاّ هذا ، ولا يتعلّق للشارع غرض بحصول ذلك الفعل ووجوده حتّى قيل : إنّه لا يتصوّر حينئذ (٣) ، انتهى ما أفاده.
والجواب : أمّا عن الأوّل : فبأنّ الفرق بين المشروطتين إنّما يجدي فيما إذا كان الإتيان بالفعل في الآن الثاني من زمان الامتناع ممكنا ، كما إذا كانت المقدّمة الّتي صار تركها موجبا لامتناع الفعل من الأفعال الاختياريّة مع بقاء الاختيار بالنسبة إليها أيضا ، كما في مثال تكليف الكفّار. وأمّا إذا كانت المقدّمة المتروكة ممّا لا يتمكّن المكلّف من الإتيان بها في الآن الثاني من الامتناع ـ كما هو المفروض في الدليل ـ فلا وجه للفرق بين المشروطتين.
وتحقيق ذلك : أنّ ملاك الفرق بينهما إنّما هو بواسطة إمكان انقلاب الوصف إلى نقيضه في المشروطة ما دام الوصف ، وامتناعه في الاخرى. وبعد ما فرضنا من أنّ الكلام في المقدّمة المتروكة الّتي لا يمكن للمكلّف الإتيان بها وإدخالها في الوجود
__________________
(١) في ( م ) : على المكلّفين.
(٢) في ( ع ) : على طرز.
(٣) حاشية سلطان العلماء : ٢٨٠.