ويمكن أن يجاب عن الدليل بوجه أخصر ، كأن يقال : المستدلّ إن أراد إثبات وجوب المقدّمة مع الحكم بعدم وجوب ذيها فهو ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه ، وإن كان قد يظهر من المدارك (١) والكفاية (٢) تبعا للأردبيلي (٣) حيث حكموا بعقاب الجاهل على ترك الفحص والتعلّم دون الواقع. ومن هنا أورد عليهم المحقّق الجمال (٤) : بأنّه يلازمه القول بوجوب المقدّمة دون ذيها.
وبالجملة ، فإنّ ذلك وإن أمكن القول به عقلا على أن يكون العقاب على الحركة الصادرة من المكلّف ابتداء كما في التوليديّات ، إلاّ أنّه خروج عن الظاهر ومصير إلى خلافه مع انتفاء دلالة عليه. على أنّ التحقيق أيضا هو استناد الأفعال التوليديّة إلى المكلّف نحو استناد غيرها من الأفعال الصادرة لا بواسطة.
والظاهر أنّ المستدلّ أيضا لم يكن مقصوده ذلك ، حيث إنّه بصدد إثبات وجوب المقدّمة بواسطة وجوب ذيها وإن كان يعطيه ظاهرا لدليل ؛ كذا افيد ، فتأمّل.
وإن أراد المستدلّ إثبات وجوب المقدّمة مضافا إلى وجوب ذيها فالدليل لا ينهض بإثباته ، لجريان الدليل على تقدير الوجوب أيضا ، كأن يقال : لو وجبت المقدّمة فلو تركها عصيانا ، فإمّا أن يكون الوجوب باقيا أو لا ، وعلى التقديرين يلزم المحذوران ، على ما عرفت من لزوم كلّ منهما على تقدير. ولا فرق في ذلك إلاّ فيما لا تأثير له في المقام من استناد الترك تارة إلى سوء الاختيار ، واخرى إلى غيره. وقد عرفت فساد الفرق المذكور بما لا مزيد عليه ، فالحكم بوجوب المقدّمة لا يؤثّر في دفع شيء من المحذورين.
__________________
(١) المدارك ٢ : ٣٤٥.
(٢) لم نعثر عليه في الكفاية ، نعم ذكره في الذخيرة : ١٦٧.
(٣) مجمع الفائدة ٢ : ١١٠.
(٤) الحواشي على شرح اللمعة : ٣٤٥.