نفعا ، لأنّه لم يجب عليه الحجّ بهذا الشرط. وإن أردتم أنّ الحجّ في ذلك الزمان الّذي اتّفق فيه عدم المقدّمات ممتنع بالنسبة إليه فممنوع ، إذ يمكن مع انتفاء المقدّمات ، إذ فرق بين المشروطة بشرط الوصف والمشروطة ما دام الوصف ، فإنّ سكون الأصابع في زمان الكتابة ممكن وبشرط الكتابة ممتنع.
لأنّا نقول : غاية ما ذكرت أنّ الحجّ في ذلك الزمان ممكن لذاته ، والإمكان الذاتي لا يكفي مصحّحا للتكليف إذا تحقّق امتناع الفعل لعلّة سابقة على ذلك الزمان ، سواء كانت العلّة من قبل المكلّف أو من قبل غيره. والقائلون بامتناع التكليف بما لا يطاق لا يخصّونه بالممتنع الذاتي على ما صرّحوا به ؛ مع أنّ أدلّة ذلك ـ من القبح والسفه العقلي ، وانتفاء غرض التكليف ، وعدم إمكان تعلّق الإرادة من الميل النفساني (١) ـ جار هنا ، ألا ترى أنّه إذا قيل يوم النحر للساكن في البلد النائي عن مكّة : « طف بالبيت في هذه الساعة » لنسب القائل إلى ضعف الحكم ووهن اللبّ. وليس المانع عن هذا القول لفظيّا ، بل المانع معنوي.
وبالجملة ، من أنصف من نفسه وراجع إلى عقله ولم يخالف (٢) استقامة فطرته لا يشكّ في ذلك أصلا ، فإذا قيل : « لم يفعل قبيحا يلومه العقلاء إلى يوم النحر ، لكن فعل في يوم النحر ما يلومه العقلاء ويعاقبونه ، وهو أنّه لا يطوف في هذا اليوم مع أنّه في البلد النائي عن مكّة » لحكمت بكذبه وخروجه عن القول المنقول والكلام المعقول من غير توقّف على أنّ التقرير السابق الّذي ساق إليه الكلام أخيرا لم يجر فيه هذا الاعتراض (٣) ، انتهى ما أردنا نقله.
__________________
(١) في المصدر : والميل النفساني.
(٢) في ( ط ) زيادة : بالتشكيك.
(٣) رسالة في مقدمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ٤٨ ـ ٥٠.