والإنصاف : أنّ هؤلاء الأفاضل لقد أجادوا فيما أفادوا في الغاية ، إلاّ أنّ الأخير منهم قال في معنى الوجوب المذكور : ولا يخفى عليك أنّ ما ذكرنا من تعلّق الخطاب والطلب تبعا بمقدّمة المأمور به ليس من جهة كونها موقوفا عليها للمأمور به ، بل هو أعمّ من استلزام الفعل المأمور به ، حتى أنّ هذا المعنى ثابت أيضا بالنسبة إلى لوازم المأمور به الذي يكون وجودها تبعا لوجود المأمور به لا مقدّما عليه ، كما يحكم به الوجدان (١).
قلت : لا إشكال في صحّة انتساب الوجوب إلى اللوازم بنوع من العناية والمسامحة من قبيل إسناد الشيء إلى غير من هو له ، كقولك : « زيد حسن خادمه » فإن أراد أنّ الطلب الحاصل في المقدّمات هو من هذا القبيل فيكون ثبوت الوجوب وتعلّقه بالمطلوب الذاتي واسطة في عروض الطلب وصحّة انتسابه إليه مجازا ، فهو ليس في محلّه ؛ لما تقدّم أنّ الوجوب الثابت للمقدّمة إنّما هو معنى آخر فوق ذلك المعنى. وإن أراد أنّ المعنى الثابت في المقدّمة إنّما هو ثابت في اللوازم التابعة للمأمور به وإن لم يتوقّف عليها نظرا إلى مجرّد استلزام تركها تركه ـ كما يظهر من استدلاله على ذلك فيما تقدّم ـ ففيه : أنّ الذي نجده من أنفسنا أنّ مدار ثبوت هذا المعنى من الوجوب هو التوقّف والتقدّم لا مجرّد استلزام الترك للترك ، كما لا يخفى على المتأمّل. ومع ذلك فالمتّهم فهمنا ، لاحتمال أن يكون الفرق الّذي نجده في أنفسنا بينهما باعتبار شدّة تلك الحالة وضعفها في المقامين ، إلاّ أنّه بعيد غاية بعد فرض اتّحاد المناط.
وهذا تمام الكلام في احتجاج القائلين بالوجوب ، وربما يستندون إلى وجوه أخر ، كلّها مزيّفة لا حاجة إلى ذكرها وذكر ما فيها.
__________________
(١) حكاه الخوانساري في الرسالة : ١٢٧.