سلّمنا إمكان وقوع الاشتباه في المصاديق بعد العلم بالمفهوم من غير الجهة التي فرضناها ، ومع ذلك فلا ينهض قول الموجّه دافعا للإشكال ؛ إذ بعد فرض اختلاف نظر الشارع والعرف في تشخيص المصداق ، لا وجه للتمسّك بالإطلاق ؛ إذ غاية ما هناك حكم العرف بوجود ذلك المفهوم في المورد المشكوك على ما وصل إليه أنظارهم ، وهو لا يجدي ، بل لا بدّ أن يكون ذلك مصداقا في نظر الشارع. ولا دليل على أنّ ما هو المصداق العرفي هو المصداق الشرعي كما هو المفروض ، فاللازم تحصيل معيار شرعيّ لا مدخل للعرف فيه لأجل التشخيص المذكور.
فإن قلت : إنّ الرجوع إلى الإطلاق إنّما هو لأجل تحصيل ما هو المصداق واقعا ، وحيث إنّه لا يمكن الوصول إلى الواقع من دون أن يكون اعتقاد المكلّف طريقا إليه ـ كما يظهر ذلك بملاحظة ما لو جعل الشارع أيضا معيارا لتشخيص المصداق ، فإنّ وجود ذلك المعيار الشرعي أيضا منوط بنظر العرف دفعا للتسلسل ـ فلا بدّ أن يكون لاعتقاده مدخل فيه ، فما لم يعلم من الشارع الحكم بخطإ العرف ، فهم يعتقدون أنّه هو المصداق الشرعي ، ويجب عليهم إجراء أحكامه عليه.
قلت : ذلك يتمّ فيما إذا اتّحد نظر العرف والشرع في التشخيص ، وأمّا إذا اختلفا فلا وجه لذلك ، كما هو المفروض. وأمّا لزوم التسلسل ، فهو إنّما يكون بواسطة التزام (١) اختلاف الأنظار العرفيّة والشرعيّة ، كما لا يخفى. وأمّا الحكم بالخطإ فقد عرفت أنّه لا يجدي فيما لا فرق في الصدق بعده وقبله.
وبالجملة : فلا نعلم وجها لتصحيح ما أفاده الشهيد رحمهالله ، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ النزاع لا يجري في ألفاظ المعاملات ، والله الهادي إلى سواء السبيل والموفّق.
__________________
(١) في « ط » : « إلزام ».