المصاديق قد يكون تابعا للاشتباه في المفهوم ، من حيث إنّ المفهوم قد عرضه نحو من الإجمال على وجه يمكن استعلامه بعد تلطيف النظر وتدقيقه ، وقد لا يكون كذلك ـ للعلم بحقائق تلك المفاهيم على ما هي عليها في الواقع ـ وإنّما المجهول وجود ذلك المفهوم المعلوم في المورد الخاصّ ، وذلك ينحصر فيما إذا اشتبه المورد بغيره بواسطة عروض حالة خاصّة ، كما إذا اشتبه الرجل بالمرأة لعارض الظلمة ونحوها ، ولا نعقل وجها آخر للاشتباه في المصاديق غير ذلك بعد العلم بالمفهوم على ما هو عليه في الواقع.
فالموجّه إمّا يعترف بعدم الإجمال في المفهوم بوجه من الوجوه ، أو يلتزم بالإجمال على وجه لا يرتفع إجماله بالرجوع إلى العرف.
فعلى الأوّل ، لا وجه لعدم الرجوع إلى العرف في تشخيص المصاديق.
فإن قلت : إنّ الشارع إنّما يحكم بخطإ العرف في الحكم بوجود ذلك المفهوم المعلوم عندهم في ذلك المورد والمصداق.
قلت : ذلك يجدي فيما إذا تبدّل حكم العرف بعد كشف الشارع عن الخطأ ، مثل حكمه بخطإ العرف في اعتقادهم طهارة الكافر ونظافته ؛ لاحتمال أن يكون هناك قذارة معنويّة يطّلع عليها الشارع دون غيره. وأمّا إذا لم يتبدّل الاعتقاد وكان حكمهم بوجود المصداق بعد الكشف مثل حكمهم به قبل الكشف ، كما في البيع بالفارسيّة ؛ إذ لا فرق قطعا في صدق البيع بدون الشرائط المقرّرة بعد العلم بحكم الشارع باعتبارها وقبله ، وليس الفاقد الشرعي كبيع الهازل في نظر العرف قطعا ، فلا وجه لما ذكره ، بل لا بدّ من الالتزام بأنّ الفاقد للشرائط الشرعيّة من حقيقة البيع ، لكن وجوب الوفاء بالعقد يختصّ بواجدها ، فيكون ذلك خروجا حكميّا.
وعلى الثاني ، فلا وجه للرجوع إلى العرف أصلا ، بل المعنى حينئذ ملحق بالمفاهيم المجملة التي لا مسرح للعرف فيها ، وقد فرّ الموجّه منه.