بل وفي المقولة أيضا. وعلى هذا فإن قلنا بأنّ حقيقة القصد راجعة إلى اعتقاد النفع ، فعدم إمكان كون القصد من حقيقة الفعل أو مرتبة من مراتبه أمر ظاهر. وإن قلنا بأنّه من مقولة الفعل فلم يظهر لنا أنّه يعدّ من مراتب وجود شرب الخمر ونحوا من أنحاء وجوده.
نعم ، لو كان المراد به تصوّره صحّ جعله نحوا من وجود الفعل ، لأنّ الوجود الذهني نحو من أنحاء وجود الشيء وظلّ له ، إلاّ أنّه لم يظهر من أحد الالتزام بأنّ تصوّر الشيء المحرّم حرام.
وكيف كان ، فنحن وإن استقصينا التأمّل فما وقفنا على وجه وجيه به يحكم بخروج القصد عن قاعدة عدم إيراث المقدّمة ذمّا ولا عقابا ؛ على أنّ فتح ذلك الباب توجب انسداد باب الإلزام على الأشعري القائل بالكسب ، فإنّ له أن يقول : مع أنّ العبد معزول عن الفعل بواسطة تعلّق قدرة البارئ وإرادته بصدور الفعل أنّه قاصد للفعل على وجه لو لم يسبقه إرادة البارئ كان الممكن فاعلا ، وهذا يكفي في العقاب. إلاّ أن يقال : إنّ القصد ـ بناء على أنّه فعل أيضا ـ مخلوق لله ، ولا يجوز أن يكون ذلك القصد منشأ للعقاب ، فإنّ الوجه في ذهابهم إلى هذه المقالة السخيفة دعوى امتناع صدور الوجود من الممكن نظرا إلى قولهم : « لا مؤثّر في الوجود عدا الله » بناء على ما زعموه من معنى هذه القضيّة الصادقة فهو آت في القصد أيضا مطلقا ؛ مضافا إلى أنّ استنادهم إلى ذلك ينافي القول بأنّه لو لا سبق إرادته تعالى لكان فاعلا ، فإنّ ذلك محال حينئذ ، كما لا يخفى.
وبالجملة ، لا ينبغي الإشكال في ظهور الأخبار والأدلّة اللفظيّة في حرمة العزم ، وكلماتهم مشحونة بذلك (١). إلاّ أنّ دعوى استقلال العقل باستحقاق العقاب
__________________
(١) تقدّمت في الصفحة : ٤٥٧ وما بعدها.