واستدل (١) للأوّل : باستقرار بناء العقلاء على الذمّ والحكم بالاستحقاق. وبأنّا لو فرضنا شخصين قاطعين بأن قطع أحدهما بكون مائع معيّن خمرا وقطع الآخر بكون مائع آخر خمرا فشرب كلّ منهما ما اعتقده خمرا ، فاتّفق مصادفة أحدهما للواقع ومخالفة الآخر ، فإمّا أن يستحقّا العقاب ، أو لا يستحقّ كلّ واحد منهما ، أو يستحق المصادف دون غيره ، أو العكس. والرابع بديهيّ البطلان كالثاني ، والثالث أيضا باطل لاستلزامه إناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار وهو مناف لما يقتضيه العدل ، فتعيّن الأوّل وهو المطلوب.
أمّا الجواب عن الأوّل : فبأنّه إن اريد الذمّ على نفس الفعل المنتزع عنه عنوان التجرّي ، فالضرورة تقضي بعدم جواز الذمّ عليه ؛ أمّا أوّلا : فلأنّ شرب الماء واقعا ممّا لا قبح فيه بحسب الواقع كما هو المفروض ، اللهم إلاّ أن يكون مورد التجرّي فعلا من الأفعال القبيحة ، كما إذا اعتقد شرب النبيذ شرب الخمر مثلا. وأمّا ثانيا : فلأنّه واقع على غير جهة الاختيار أو هو غير مقصود للفاعل المعتقد كونه شرب خمر ، فلا يقع على وجه الاختيار ، فلا وجه للذمّ عليه اتّفاقا ، من غير فرق بين أن يكون المورد مباحا واقعا أو حراما.
وإن اريد الذمّ على عنوان التجرّي والإقدام بما يعتقده معصية ، ففيه أنّ التجرّي له موردان ، أحدهما : مورد العصيان الواقعي المفروض انتفاؤه في المقام. وثانيهما : مورد تخيّل العصيان الواقعي ـ كما هو المفروض في المقام ـ ومن المعلوم أنّه بهذا الوجه غير واقع على جهة الاختيار ، إذ المتجرّي يعتقد أنّه العصيان ، لا أنّه تخيّل العصيان ، فهو غير مقصود له ، فلا يجوز الذمّ عليه اتّفاقا.
وإن اريد الذمّ على الفاعل من حيث إنّ هذا الفعل يكشف عن وجود ملكة
__________________
(١) المستدلّ هو المحقّق السبزواري في الذخيرة : ٢٠٩ و ٢١٠.