المذكورة ، فإنّ كثرة العامل وقلّته على ما فرضه ممّا له مدخل في العقاب والثواب ، وهما من الامور الغير الاختياريّة بالنسبة إلى من سنّ السنّة الحسنة أو السيّئة ، وإن كان لنا كلام في كون العقاب والثواب في مورد الأخبار من هذا القبيل ، كما ستعرف.
وتوضيح المقام : أنّ الثواب والعقاب من لوازم الإطاعة والعصيان ، وتحقّقهما يتوقّف على امور بعضها اختياريّة وبعضها غير اختياريّة على وجه لو فرض انتفاؤهما أو انتفاء أحدهما لم يتحقّق شيء منهما.
فالأوّل : هو الحركة الصادرة من المكلّف التي هي من مقولة الأفعال ، فإنّه لا بدّ وأن تكون اختياريّة مسبوقة بالقصد واعتقاد النفع فيه ، كما هو المراد بالفعل الاختياري ، فلو لم يكن كذلك لم يتحقّق عصيان ولا إطاعة.
والثاني : امور كثيرة ، منها : تعلّق الأمر من المولى إلى الفعل المأمور به. ومنها : تعلّق الحركة الاختياريّة بما تعلّق به الفعل في عنوان الأمر ، فإنّ تعلّق الشرب بما هو خمر واقعا ـ بمعنى أن يكون متعلّق الشرب هو الخمر واقعا ـ من الامور الغير الاختياريّة ، إلاّ أنّه لا بدّ من ذلك في تحقّق الإطاعة والعصيان ، والقدر المسلّم من اعتبار الاختيار في التكليف هو أن تكون الحركة اختياريّة ، بل لا وجه لاعتبار الأزيد من ذلك كما هو ظاهر. وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال أيضا ، فإنّا نختار الثالث.
قولك : إنّ ذلك يوجب إناطة العقاب بما هو خارج عن الاختيار ، قلنا : إن اريد قبح إناطة العقاب بما هو خارج عن الاختيار على وجه الاستقلال ـ بأن يكون جميع ما يعتبر فيه من الامور الغير الاختياريّة ـ فهو مسلّم ، لكنّه غير لازم في الحكم بالعقاب في من صادف قطعه الواقع ، لأنّ الحركة المتعلّقة بما هو متعلّق الأمر واقعا اختياريّة فلا استقلال. وإن اريد قبح استقلاله في الحكم بعدم العقاب في من لم يصادف الواقع فهو غير مسلّم ، إذ بذلك يرتفع موضوع العصيان ، والعقاب موقوف