القتل فحسب أنّه ذلك الكافر وتجرّى فلم يقتله ، فإنّه لا يستحقّ الذمّ على هذا الفعل عقلا عند من انكشف له الواقع وإن كان معذورا لو فعل. وأظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبيّ فتجرّى ولم يقتله. ألا ترى أنّ المولى الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدوّ له فصادف العبد ابنه وزعمه ذلك العدوّ فتجرّى ولم يقتله أنّ المولى إذا اطّلع على حاله لا يذمّه على هذا التجرّي ، بل يرضى به وإن كان معذورا لو فعل. وكذا لو نصب له طريقا غير القطعي إلى معرفة عدوّه فأدّى الطريق إلى تعيين ابنه فتجرّى ولم يفعل. وهذا الاحتمال حيث يتحقّق عند المتجرّي لا يجديه إن لم يصادف الواقع ، ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب ، لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب ، بخلاف ما لو ترك العمل به ، فإنّ المظنون فيه عدمها. ومن هنا يظهر أنّ التجرّي على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مندوباتها ، ويختلف باختلافهما ضعفا وشدّة كالمكروهات. ولك أن تراعي في الواجبات الواقعيّة ما هو الأقوى من جهاته وجهات التجرّي (١) ، انتهى كلامه.
وفيه أوّلا : أنّه لو سلّم قبح الفعل في التجرّي فلا شكّ في كونه ذاتيا لا يختلف بالوجوه والاعتبار ، فإنّ منشأ الحكم المذكور على ما نراه غير قابل للاختلاف. وكذلك على ما يراه غيرنا من قبح الفعل في صورة التجرّي ، فإنّه يزعم أنّ ذلك ظلم في حقّ من يستحقّ الطاعة ، ولا شكّ في أنّ موضوع الظلم ممّا يمتنع عروض جهة محسّنة له.
وثانيا : لو سلّم إمكان عروض جهة محسّنة فلا إشكال في لزوم كون تلك الجهة من عناوين الأفعال الاختياريّة حتّى يعقل اتّصافها بالحسن ، فيصير بذلك محسّنة للجهة المقبّحة. ولا ريب في أنّ ما زعمه معارضا للجهة المقبّحة من الأفعال
__________________
(١) الفصول : ٤٣١ ـ ٤٣٢.