الغير المتصوّرة للفاعل ، وهو غير مقصود الوقوع منه ، فلا يكون اختياريّا فلا وجه للمعارضة ، من غير فرق في ذلك بين أن يكون عنوان التجرّي مقتضيا للقبح كالكذب مثلا أو لم يكن كذلك بل يكون من الأفعال التي لا يدرك حسنها ولا قبحها إلاّ بعد ملاحظة لحوق الجهات والعنوانات ، وإن كان محلّ الكلام لا بدّ وأن يكون من الأوّل كما هو ظاهر.
وبالجملة ، أنّ الفعل الذي صار موردا لانتزاع التجرّي ـ وهو ترك قتل المؤمن في المثال المفروض في كلامه كفعله ـ ليس من الأفعال الاختياريّة المقصودة ، فلا يتّصف بحسن ولا قبح ، وما يكون كذلك لا يعقل تصرّفه في العنوان الذي فرضنا عدم اتّصافه بحسن ولا قبح أو اتّصافه بقبح يمكن ارتفاعه بورود جهة محسّنة بإيراث حسن فيه أو رفع قبح عنه ، ولذا اعترف في كلامه في مقامين بأنّه معذور لو فعله.
فإن قلت : قد تقرّر في الجواب عن الدليل العقلي أنّه لا امتناع في تأثير الامور الغير الاختياريّة في العقاب وعدمه ، وعلى هذا فلا مانع من ارتفاع القبح من عنوان التجرّي بواسطة فعل وقع التجرّي في ضمنه وإن لم يكن على وجه الاختيار.
قلت : الفرق ظاهر بين المقامين ؛ من حيث إنّ مدخليّة ذلك الأمر الخارج عن الاختيار في حسن الفعل وقبحه ممّا لا مناص عنها ، إذ عنوان الحسن هو شرب الخمر الواقعي الذي لا يعقل وجود هذا العنوان ولو على وجه الاختيار إلاّ بتعلّق الشرب الواقعي الاختياري بما هو خمر واقعي ، فالأمر الخارج عن الاختيار هناك محقّق لموضوع هو حسن ، لا أنّه محسّن لما لا حسن فيه. بخلافه فيما نحن بصدده ، فإنّ المفروض في كلام المفصّل كون التجرّي من العناوين الاختياريّة التي لا حسن فيها ولا قبح أو يقتضي القبح ويزيد تحسين ذلك العنوان بإيراث حسن فيه أو دفع قبح عنه بواسطة لحوق ما ليس بحسن ، وذلك ممّا يحكم بفساده ضرورة العقل ، كما لا يخفى على المنصف المتأمّل.