ثمّ إنّ لازم القول بقبح التجرّي من حيث الفعل هو تعدّد العقاب فيما إذا صادف المعصية الواقعيّة. اللهم إلاّ أن يقال بالتداخل بمعنى اختفائه تحت ظلّ المعصية على وجه لا ينسب إليه حكم من أحكامه لوجود ما هو أقوى منه ، كاندكاك الانقياد في جنب سطوع نور الطاعة الواقعيّة. وقد عرفته بما فيه.
وقد يستند في المقام إلى الأخبار المتقدّمة (١) الدالّة على حرمة القصد المجرّد أو مع فعل بعض المقدّمات.
ولعلّه ليس في محلّه ، إذ الكلام في تحريم الفعل الذي يعتقده معصية ، والقصد وغيره ممّا لا مدخل له فيه ولو قلنا بكونه محرّما أيضا ، مع أنّك قد عرفت الكلام فيه (٢) بما لا مزيد عليه عندنا.
اللهم إلاّ أن يجعل القصد أيضا من مراتب التجرّي ، فإنّ له مراتب ، أحدها : مجرّد القصد إلى المعصية. الثاني : القصد مع الاشتغال ببعض المقدّمات. والثالث : القصد مع التلبّس بما يراه معصية. الرابع : التلبّس بما يحتمل كونه معصية رجاء كونها معصية ، نظير الاحتياط في إحراز الواجب. الخامس : التلبّس به لعدم المبالاة لمصادفة الحرام. السادس : التلبّس به رجاء أن لا يكون معصية.
ويعتبر في صدق التجرّي في صور الاحتمال أن يكون هناك دليل شرعي أو عقلي على عدم جواز ارتكاب تلك المحتملات ، إذ لو لم يكن هناك دليل على عدم الجواز فجواز ارتكاب المحتملات ممّا لا كلام فيه عند القائلين بأصالة البراءة ، كما لا يخفى على المتدبّر.
__________________
(١) تقدّمت في الصفحة : ٤٦٠ ـ ٤٦١.
(٢) راجع الصفحة : ٤٦٦ ـ ٤٦٧.